يتحاشى الكثير من المرضي مقاعد الانتظار الطويل أمام عيادة الطبيب ودفع مبالغ مالية كبيرة أحيانا، باللجوء إلى الصيدلي كبديل يوفر الوقت والمال، فما هي إلا دقائق معدودات في الصيدلية أمام الأخير، إلا ويخرج المريض وبيده كيس دواء يناسب إمكاناته المادية بدلا من البقاء لساعات بين أروقة المستشفي الباردة. ولا يحتاج صرف الصيادلة الأدوية دون وصفة طبية إلى إثبات، فمن منا لم يمر بهذا الموقف ويقارن حالنا في هذا الصدد بالدول الغربية حيث لا يستطيع الصيدلي هناك، صرف أبسط الأدوية دون وصفة، لكن يبقى السؤال لماذا يتعاملون هناك مع هذا الأمر بكل هذا التشدد والحذر، بينما نتساهل نحن معه إلى الدرجة التي بات معها يشكل ظاهرة، هل هناك قوانين تحمي صحة المرضي من العبث بها، وهل هناك تراخٍ من جانب الجهات المسؤولة عن مراقبة الصيادلة وفرض عقوبات رادعة تحول دون صرفهم للأدوية دون وصفات طبية، وما هو السبب خلف ثقة المرضي بالصيادلة في تشخيص أمراضهم واعطائهم الدواء، هل قلة الوعي هي السبب أم الكسل أو غيرهما من الأسباب، «المدينة» حاولت الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في التحقيق التالي: الصيدلي غير مؤهل لصرف الأدوية الوصفية يرجع الصيدلي أحمد على لجوء الناس إلى الصيدلية بحثا عن العلاج الى الكسل الذي يسود الكثير من المجتمعات العربية مؤكدا خطورة صرف الصيادلة لبعض أنواع من الأدوية دون وصفة طبية، ويقول: «من الخطأ صرف أدوية لمرضى السكر والضغط دون مشورة الطبيب، لأن ذلك قد يضر بصحتهم»، مضيفا: «الصيدلي أمام حالات كهذه لا يملك الاختصاص العلمي وأدوات التشخيص من تحاليل وأشعة، ولا يعرف كذلك التاريخ الطبي للمريض الذي يعد مهما في هذه الحالات، لتحديد الدواء المناسب»، ويتابع: «بعض أدوية الضغط المدرة للبول قد تضر بمريض القلب ضررا شديدا، لذا يجب الحذر وعدم تهاون الصيدلي في صرفها دون وصفة». ويضرب د. أحمد أمثلة عن بعض المرضى الذين يأتون إلى الصيدلية دون مراجعة الطبيب ويطلبون دواء معينا أو مضادا حيويا بتركيز كبير (500 ملجم) لالتهاب الحلق دون تحديد نوع معين او وصفة طبية، رغم أن المضادات بجميع أنواعها تدخل تحت لائحة الأدوية الوصفية الممنوع صرفها دون وصفة طبية، ويعترف بصرف الكثير من الصيادلة للمضادات الحيوية وبعض أنواع الأدوية الوصفية الأخرى للمرضي دون وصفات مبررا ذلك بارتكازهم على رغبة المرضى، وقال ان بعض الأوروبيين يأخذون منه أدوية وصفية بكميات كبيرة لأنهم لا يستطيعون الحصول عليها في بلدهم دون وصفة. تعريف الأدوية ومن جانبه يوضح الصيدلي مجدي الفارق بين الأدوية الوصفية واللاوصفية، بالقول: «يندرج تحت قائمة الأدوية الوصفية المضادات الحيوية والأدوية النفسية وأدوية الضغط والسكر، فيما تعد المسكنات وخوافض الحرارة وأدوية الكحة والفيتامينات والمكملات الغذائية والكثير من الأدوية العشبية من الأدوية اللاوصفية». ويؤكد د. مجدي وجود حالات كثيرة لأخطاء طبية من قبل بعض الصيادلة يعرف بها كل من يعمل في هذا الوسط تسببت بأضرار على صحة المرضى، يقول: «تحدث تجاوزات من بعض الصيادلة في الاعتداء على اختصاص الطبيب بتشخيص المرض للمريض وصرف أدوية من المفروض أن تكون بوصفة طبية»، ويضيف: «أحد الصيادلة صرف قطرة شهيرة ومتداولة لإزالة احتقان العين، لكن المريض كان يعاني من ارتفاع ضغط العين (المياه الزرقاء)، ومن سوء حظ الطبيب أن تلك القطرة ترفع ضغط العين، مما أضر بعين المريض، ونتيجة لذلك سحبت وزارة الصحة رخصة مزاولة المهنة من الصيدلي وغرمته ثلاثين ألف ريال». ولا يرى د. مجدى بأسا في صرف دواء وصفي في الحالات «الطارئة» فقط كأن يكون مكان سكن المريض في منطقة بعيدة عن المستوصفات والمستشفيات على أن يراعي الصيدلي التنبيه على المريض بالتوجه في أقرب فرصة لمراجعة الطبيب. الهروب من التكاليف ويجدد الصيدلي عماد عبدالحليم محمود التأكيد على رغبة المرضي كعامل يضطر الصيادلة لقبول تشخيص الأمراض وصرف الأدوية بدون وصفة، مبررا اتجاه الكثير من المرضي للصيدلي كبديل عن الطبيب بمحاولتهم توفير القيمة المادية للكشف الطبي التي يراها بعضهم «لا لزوم لها» مع الأمراض البسيطة، ويضيف أن اتباع الصيدلي للنظام وعدم صرف أدوية وصفية دون وصفة يرفع من مبيعات الصيدلية، عازيا ذلك إلى مبالغة بعض الأطباء في صرف مجموعة كبيرة من الأدوية إلى المرضي قد يكونون ليسوا بحاجة لها. الصيدلي للكبار والطبيب للأطفال ويبدو أن ثقافة بعض المرضى الطبية تقف خلف ثقتهم المطلقة بتشخيص الصيدلي للمرض ومقدرته على صرف الدواء المناسب لهم، يقول أشرف عليوة مريض التقته «المدينة» خارجا من الصيدلية: «لا يختلف الصيدلي عن الطبيب بشيء»، ويضيف: «أثق بأنه إذا كانت حالة المريض تستدعي تدخلا طبيا فمن المؤكد أن الصيدلي سيخبره بذلك». ولا يجد عليوة مبررا لمراجعة الطبيب كلما ألم بالإنسان مرض خفيف، يقول: «لا يحتاج القليل من الزكام والكحة الذهاب للطبيب»، مضيفا: «الإنسان طبيب نفسه، ويعرف متى تستدعي حالته التدخل الطبي». ويحاول محمد المشرع عدم استعمال الأدوية بالمطلق إلا عند الضرورة القصوى مفضلا عليها الطب الشعبي، إلا أنه وكما يقول يضطر أحيانا لأخذ دواء دون وصفة طبية، مؤكدا أن ذلك يقتصر عليه فقط دون بقية أفراد الأسرة، مضيفا: «لا أغامر بإعطاء أدوية لأبنائي الصغار بناء على مشورة الصيدلي، فهذه السن حساسة وجسمهم الغض لا يتحمل المخاطرة، والأمر يحتاج لمراجعة الطبيب لتشخيص المرض بدقة بعد إجراء التحاليل». أما سلمان إدريس فلا يتفق مع الرأي بأهمية مراجعة الطبيب في كل طارئ صحي يعرض للطفل، يقول: «لا يحتاج مرض بسيط كزكام أو التهاب في حلق الطفل بمراجعة الطبيب»، مضيفا: «أنا لا ألجأ للطبيب إلا في حالة عدم جدوى وصفة الصيدلي أو في حالات أكثر خطورة». اطباء وفهلوة استغرب الطبيب د. علاء سعد الدين اخصائي أمراض الكبد والجهاز الهضمي والمناظير، ما يقوم به الكثير من الصيادلة من صرف أدوية بدون وصفة طبية واصفا هذا العمل ب»الفهلوة»، وتساءل هل يستطيع النجار إصلاح سيارة؟ واضاف: «كل إنسان له اختصاصه في العمل، ولا يصح أن يعتدي علي اختصاص الآخرين». وشدد د. علاء على أهمية دور الصيدلي موضحا الحدود التي يقف عندها بالقول: «عمل الصيدلي يشمل تركيب الأدوية وطريقة استخدامها وأفضل المواعيد لاستعمالها كي لا يتزامن أكثر من دواء في نفس الوقت»، مضيفا: «قد يخطئ الطبيب أحيانا ويصف بعض الأدوية المتعارضة للمريض، وهنا يأتي الدور الهام للصيدلي بحكم معرفته ودراسته لأثر الأدوية على الجسم لتنبيه الطبيب ومراجعته». وحذر د. سعد الدين من الاستهتار باستعمال الأدوية دون وصفة طبية، مبينا أن أبسط الأدوية كبعض مسكنات الصداع قد تؤدي إلى مضاعفات خطرة نظرا لآثارها الجانبية، مضيفا أن الصداع في بعض الحالات يكون ناتجا عن ارتفاع في الضغط، واستعمال المريض لأدوية معينة للصداع قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وقد يصل الأمر إلى الإصابة بنزيف في المخ. واتهم د. سعد الدين بعض الصيادلة بصرف أنواع معينة من الأدوية للوصول إلى نسبة معينة من عدد العبوات ليحصلوا على حوافز مالية، ولتفادي هذه المشكلة يرى وجوب عدم صرف الدواء بدون وصفة أسوة بالكثير من الدول، موضحا أن استفسار الصيدلي عن وجود الضغط والسكر والحساسية لدى المريض غير كاف لقيامه بصرف الأدوية دون وصفة نظرا لعدم امتلاكه التأهيل العلمي الذي يتيح له تشخيص المرض بدقة. وقدم د. سعد الدين حلا لمشكلة الانتظار في عيادات الأطباء من خلال الحجز المبكر، ولتفادي دفع أجرة الطبيب العالية من خلال التأمين الطبي، مستدركا: «وإن كان بعض المؤمنين صحيا يلجأون للصيادلة للتشخيص وصرف الدواء، بسبب الكسل أو عدم الرغبة بدفع حتى الجزء المالي الصغير بعد التأمين». هيئة الغذاء: مراقبة صرف الأدوية بالصيدليات من اختصاص وزارة الصحة قال إخصائي العلاقات العامة بهيئة الغذاء والدواء أنور العنزي ان مراقبة صرف ووصف الأدوية في الصيدليات مسؤولية وزارة الصحة، موضحا أن هيئة الغذاء والدواء لا تتحمل في الوقت الراهن أي مسؤولية في هذا الصدد. أما بخصوص الغرامات المفروضة على الصيادلة المخالفين لتعليمات صرف الدواء وطبيعتها، أكد العنزي وجود لجان مختصة تابعة لإدارة نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م / 31 ) وتاريخ 1/6/1425ه، مشيرا الى انها تمارس عملها من خلال تواجدها في الشؤون الصحية بالمناطق والمحافظات وتقوم بتوقيع العقوبات وفقًا لما نصت عليه المادة السابعة والثلاثون من النظام. وعن خطورة استعمال أدوية وصفية بناء على مشورة الصيدلي وبدون مراجعة الطبيب خصوصا لمرضي الضغط والقلب والسكر، قال العنزي إنه لا بد في البداية من توضيح الفرق بين الأدوية الوصيفة واللا وصفة، فالوصفية: هي الأدوية التي يلزمها وصفة طبية لصرفها, أما اللاوصفية فهي الأدوية التي لا يتطلب صرفها إلى وصفه طبية. وأضاف: «في حالة الأدوية الوصفية يجب ألا تؤخذ مباشرة من الصيدلية وإنما بعد مراجعة الطبيب لتقييم الحالة وصرف الدواء المناسب وخصوصًا لأصحاب الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر وتابع: «كما أنه يجب إخبار الطبيب أو الصيدلي بجميع الأدوية سواءً الوصفية أو اللا وصفية التي يستخدمها المريض وذلك تلافيًا لتعارضات الأدوية». ورأى العنزي أن الحل للقضاء على ظاهرة صرف الأدوية بالصيدليات دون وصفة طبية يرتكز على طرفي المسألة وهما الصيدلي والمريض. وأضاف: «الصيدلي يجب عليه التزام الأنظمة والقواعد التي تحدد مهامه بدون تجاوز مهما كان المبرر, أما المريض فعليه الحرص على عدم استخدام الدواء الوصفي إلا بوصفة طبية لأن ذلك هو الأضمن لسلامته وتحقيق النتيجة المرجوة من الدواء». وشدد العنزي على أن هيئة الغذاء والدواء ممثلة في قطاع الدواء حرصت عبر إدارة توعية المستهلك على توعية المستهلكين بالثقافة الدوائية الصحيحة، وكان آخرها حملة التثقيف الدوائي التي أقيمت في الصيف الماضي وكانت تحمل رسائل توعوية مهمة حول المنظفات المنزلية, والاستخدام الخاطئ للدواء, والمستحضرات العشبية, والاستخدام الأمثل للدواء. وزارة الصحة لا تستجيب لم تتلق «المدينة» حتى لحظة إعداد التحقيق ردا من مدير الإعلام بصحة جدة عبدالرحمن الصحفي عن عدد من الاستفسارات بخصوص دور الوزارة في مراقبة ظاهرة صرف الأدوية دون وصفة طبية، وطبيعة الغرامات المفروضة علي الصيادلة المخالفين للتعليمات، رغم محاولاتنا المتكرر الاتصال عليه ووعده لنا بإرسال الرد في أقرب فرصة.