حين تتأمل قائمة الدول المشاركة في المهرجانات السينمائية المختلفة والمتناثرة في أنحاء العالم ستجد أن من بينها دولاً تعاني فقراً مدقعاً وظروفاً معيشية بائسة كبنغلادش وإيران وفلسطين، فيما تخلو هذه القوائم تماماً من اسم (المملكة العربية السعودية). وغياب كهذا يبدو غريباً وغير مبرر خاصة إذا ما قرن بالإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها السعودية والتي لا يتوفر ربعها لتلك الدول الفقيرة. وأمام كارثة الغياب هذه نشأت لدينا عدة أسئلة تبحث في أسباب الغيبة السينمائية وتحاول تحديد المسؤول عنها.. من هو؟ هل هو المجتمع الذي يبدو متوجساً من كل ما له علاقة بالسينما؟ أم هي وزارة الإعلام أم جمعية الثقافة والفنون؟ أم أن الفنانين والمخرجين لا يعبأون بالسينما ولا يؤمنون بها كفن جميل وسلاح فكري بات مهماً؟ أم هي المادة؟ أم أنها أزمة وعي؟ لا شك أن الجواب على هذه الأسئلة كبير.. وعسير وليس من الممكن تحديد مكمن الخلل بسهولة واقتضاب، إذ أن العوامل والأسباب تتداخل فيما بينها بشكل عنيف وعاصف لتخلق في النهاية مناخاً عقيماً محبطاً يساهم في وأد أية خاطرة تتعلق بالسينما وشجونها. ولاشك أن في مجتمعنا من يحمل هذا الهم، ومن يؤمن بأهمية السينما، وبأهمية إطلالة بلدنا من خلال تلك النوافذ الثقافية، ولهدف سامٍ هو إبراز مستوى التطور الإنساني والفكري الذي وصلنا إليه.. ولاشك - كذلك - أن صناع الدراما لدينا هم الأجدر بامتلاك هذا الهاجس، لسببين، الأول أنهم واعون ومدركون لقيمة هذا الفن، والسبب الثاني أنهم تمرسوا العمل الفني وبالتالي هم أصحاب تجربة ويعرفون عمَّ يتحدثون، الأمر الذي يجعلهم الأكفأ لعملية تشخيص الواقع وهل هو مواتٍ لإنشاء صناعة سينمائية أم لا؟ ومن هذا المنطلق ارتأينا أن نحمل أسئلتنا إلى ثلاثة من أبرزهم، الفنان عبدالعزيز الحماد، والمخرجان المعروفان عامر الحمود وعبدالخالق الغانم. هادفين من خلال حديثهم أن نتلمس خطوتنا الأولى على طريق إجابة السؤال الكبير (أين هي سينما المملكة العربية السعودية؟ ). في البداية كان حديث المخرج عبدالخالق الغانم الذي قالً : (لا شك أنه شيء يحز في النفس أن ترى تلك الدول الفقيرة وهي تتنافس فيما بينها في هذه المحافل الثقافية، بينما نحن غائبون تماماً.. والمشكلة هي أننا قادرون فعلاً على صناعة السينما الجميلة وإمكانياتنا تؤهلنا لذلك.. أعتقد أن غياباً كهذا غير مقبول إطلاقاً.. لكن له أسباب ومبررات قد تفسره وتشرحه، وهذه الأسباب برأيي لا تخرج عن ثلاثة : الأول قلة الدعم من قبل وزارة الإعلام لفن كهذا. والثاني انعدام المناخ الملائم لصناعة سينما فأنت تعيش في بلد لا توجد بها صالات سينما على الإطلاق.. والسبب الثالث هو عدم وجود توجه للصحافة والإعلام لطرق مثل هذه الموضوعات وبالتالي انعدام الحافز والمحرض للفنان أن يتجه لهذا المجال، إذ ليس متوقعاً أن يغامر في مجال يتجاهله الجميع). المخرج والمنتج عامر الحمود يتفق بشكل كبير مع الغانم في تحديده لأسباب الغياب، حيث يقول : (إن أهم سبب برأيي هو عدم وجود دور لعرض سينما، فالمنتج لن يجازف بماله إذا لم تتوفر له النافذة التي بإمكانه استرداد ماله من خلالها.. السبب الثاني هو عدم وجود جهة حكومية تتبنى عملية دعم الصناعة السينمائية، ونحن كفنانين لدينا رغبة في صناعة الأفلام لكننا نشعر بتوهان في هذه المسألة ولا ندري إلى أين نتجه، هل إلى وزارة الإعلام أم إلى الجمعية العامة للثقافة والفنون؟ أعتقد أنه لو حددت جهة ما وبأي مسمى لرعاية الشأن السينمائي فسنرى ثمار ذلك قريباً، وانظر إلى المسرح السعودي مثلاً الذي يتواجد في المهرجانات الدولية بصفة دائمة رغم أنه لا يملك دعماً جماهيرياً في الداخل، وسبب تواجده أن لديه جهة ترعاه وتسنده هي جمعية الثقافة والفنون، إذن فحاجتنا ملحة لمثل هذه الجهة الحاوية لنا، ومعها سنضمن تواجدنا في المهرجانات الدولية ولو بفيلم واحد كل سنة على أقل تقدير، وتواجد كهذا مهم للغاية ويتجاوز رغبة الفنان الفلاني والعلاني ليصبح مطلباً حكومياً وشعبياً وهدفاً سامياً هو رفع اسم المملكة العربية السعودية في تلك المحافل، وحتى لو فشلنا في تحقيق هدفنا في جعل الصناعة السينمائية رائجة بشكل جماهيري وشعبي يجب أن لا نغفل ضرورة صناعة سينما تكون موجهة ومخصصة للمشاركة في تلك المهرجانات). و فيما يتعلق بضرورة إنشاء جهة ترعى الصناعة السينمائية فيبدو أن فناننا القدير عبدالعزيز الحماد يتفق تماماً مع زميليه، حيث يقول بشكل صريح ومباشر (أعتقد أننا في الوقت الحالي ومع توفر الإمكانيات نملك كامل الحق في مطالبة المسؤولين بخطو الخطوة الأولى نحو صناعة سينمائية حقيقية والتي لن تكون إلا بإنشاء جمعية أو معهد للسينما). إذن الأسباب المبدئية لا تتجاوز الثلاثة، وهي أسباب خارجية تعود مسؤوليتها إلى المسؤول الحكومي بالدرجة الأولى، لكن ماذا عن الفنانين أنفسهم هل من جهود ذاتية يبذلونها من أجل تغيير هذا الواقع المحبط؟ في هذا الشأن يقول الفنان عبدالعزيز الحماد (نحن بذلنا في السابق شيئاً من هذا النوع، حيث أنشأنا في وقت من الأوقات «جمعية السينمائيين الخليجيين» وكانت فكرتنا إرساء صناعة سينمائية خليجية لكن لم يكتب لها النجاح، بل إنها لم تحصل حتى على مجرد مقر يحتويها، كانت مجرد اسم وطموح «ذبل» قبل أن يحين موعد قطافه). المخرج عبدالخالق الغانم يبدو أكثر تفاؤلاً وقد أنبأنا بخبر يبعث على الانتشاء إذ ألمح إلى أنه بصدد إخراج فيلم سينمائي يكون موجهاً بالدرجة الأولى إلى المهرجانات العالمية، هو يقول : (حين ذهبت إلى أمريكا كانت دراستي في الأساس «إخراج سينمائي» وأرى بأنه قد حان وقت ممارسة ما تغرّبت من أجله.. أعتقد أن تجربتي قد نضجت الآن بشكل يؤهلني إلى إخراج فيلم سينمائي متميز.. وخطوة كهذه لابد أن أخطوها خاصة أن التلفزيون الذي استهلكني لن يحقق لي «المجد» الذاتي الذي أسعى إليه والذي لن تحققه إلا السينما.. فيلمي الآن في طور الإعداد إذ أعكف الآن على قراءة العديد من الروايات السعودية من أجل العثور على ما يناسبني منها ومن ثم تحويلها إلى سيناريو ملائم يراعي ظروف الإنتاج في السعودية.. وبخصوص التمويل فأنا أهدف إلى الاجتماع مع المسؤولين في وزارة الإعلام من أجل الحصول على تمويل منهم، والذي راعيت فيه أن يكون منطقياً غير مبالغ فيه ويتوازى مع حجم التمويل الذي تخص به الوزارة الأعمال التلفزيونية.. بعد سنة ونيف سترون عملي السينمائي الأول جاهزاً للعرض بإذن الله). وفي هذا الشأن يعلق عامر الحمود قائلاً (بالنسبة للجهود الذاتية فأنا أنشأت معهداً خاصاً افتتح الأسبوع الماضي لاحتواء المواهب السعودية الشابة وتدريبها وصقلها بشكل علمي وذلك من أجل تكوين تيار الكوادر الفنية الذي تحتاجه البنية التحتية للفن الدرامي السعودي، وفي هذا المعهد يتم عقد دورات تدريبية في مجالات التصوير والتمثيل والإضاءة وغير ذلك من التخصصات الفنية.. أنا أعتقد أن مجتمعنا يضج بالمواهب الشابة التي أحياناً ما توأد بسبب عدم وجود جهة تحتويها وتصقلها ومن هنا وجدت أنه من اللازم إنشاء معهد كهذا ونحن متفائلون بتحقيق أهدافنا المرجوة من خلاله، والذي يشجع على ذلك أن المجتمع السعودي هو مجتمع سينمائي يعشق السينما والفن عموماً، وانظر إلى صالات العرض السينمائي في الدول العربية ستجد أن أكثر من يؤمها هو الجمهور السعودي). كان هذا حديث ضيوفنا الثلاثة، ومنه قد نتبين الأسباب الأولية والمبدئية التي كانت سبباً في تأخر صناعة السينما في السعودية، ورغم كمية الإحباط التي يُشع بها الواقع إلا أن العزاء هو أن هؤلاء - على الأقل - مسكونون بالهم السينمائي ويحاولون قدر جهدهم تشخيص الواقع ومحاولة علاجه.. وما يبعث على السعادة أن هؤلاء ثلاثة فقط من ضمن قائمة كبيرة من الفنانين المتحفزين للبدء في المجال السينمائي، فنحن نذكر مثلاً الثنائي السدحان والقصبي ومشروعهم (سنين الرحمة) الذي يزمع القدير صالح الفوزان إخراجه، ونذكر هيفاء المنصور التي بدأت فعلاً، ومحمد المديفر صاحب التجربتين اللتين جاءتا ضمن سياق ما يعرف بالسينما الإسلامية، وهناك مخرجنا السينمائي المعروف عبدالله المحيسن، وأستاذنا القدير ماضي الماضي وخالد الطخيم، وغيرهم ممن يحملون الهم الصادق والحقيقي.. وأعتقد أن بلداً يحوي هذه الأسماء الكبيرة والهامة لابد أن يخرج منه «شيء ما».. لكن وقبل كل شيء لابد أن نعرف حقيقة الواقع وأين نقف فعلاً.. وهذا ما حاولنا طرقه في هذه العجالة.. أن نحدد مكمن الخلل وسبب الغيبة.. ولو بمجرد الإشارة.