رحل عن الحياة عدد من أعمدة التلحين السعودي الذين خلدوا أسماءهم بماء الذهب عبر أعمال غنائية رسمت هوية وشكل الأغنية السعودية عبر سنين عدة، إلى جانب مساهمتهم في اكتشاف كثير من نجوم الساحة الغنائية، وكان آخر الراحلين الموسيقار الكبير سامي إحسان الذي ترجل عن صهوة إبداعه قبل أن يكتمل العام على رحيل شريكه في التلحين والتأليف الموسيقي صالح الشهري. هذان الاسمان كانا من نجوم الفترة الذهبية التي عرفت بها الأغنية السعودية وكانوا سبباً في وصولها إلى ذروة مجدها، في وقت كانت الموهبة هي المحرك الأساسي للإبداع، وكان اللحن "المحترم" لا يظهر للعلن إلا حين يتأكد مبدعه أنه لن يؤذي أذن المستمع، وأنه مبني على أساس وأبعاد موسيقية مبتكرة خرجت من رحم الموهبة، عكس ما هو موجود حالياً حيث يكثر استنساخ الألحان و"ترميمها" من قِبل أشباه الملحنين الذين فرضوا سيطرتهم على الساحة حالياً. المؤسف أن الموت لم يكن السبب الوحيد في خلو الساحة من الموهوبين، بل هناك الانسحاب والابتعاد الذي قرره عدد من الأسماء الموسيقية المهمة مثل الملحن د. عبدالرب إدريس والملحن طلال باغر والملحن محمد المغيص والملحن خالد عبدالكريم والملحن د. عدنان خوج والملحن صلاح الهملان والملحن علي المنصور. فهؤلاء يملكون من الموهبة ما يجعلهم قادرين على انتشال الأغنية السعودية والعودة بها مجدداً إلى سنوات مجدها.. لكنهم فضلوا الانسحاب لأن مزاج الساحة الغنائية تغير تماماً وأصبح لا يحتمل الإبداع الموسيقي الحقيقي، فهل التوجه الجديد للأغنية وسيطرة الأجواء الشبابية وغياب العنصر التطريبي له دور في ابتعادهم أم أنهم ببساطة يواجهون حالة من نضوب الإبداع؟. الاسم المؤهل الوحيد المتبقي من ذلك الجيل هو الملحن ناصر الصالح الذي لايزال يقاوم طوفان الرداءة الفنية بألحانه الجميلة، وذلك رغم "الغصة" التي يكشفها بين الفينة والأخرى عندما يتحدث عن الوضع المؤسف للأغنية السعودية وواقعها الفقير الذي لم يعد يحرض على الإبداع. لكن مع ذلك فقد ظهرت عدة أسماء شابة مبتكرة وأثبتت موهبتها الموسيقية منها الملحن طارق محمد، والملحن سهم، والملحن ياسر بوعلي، والملحن سلطان الناصر، وهذه الأسماء قدمت أعمالاً مميزة شهد لها المستمع، لكن تبقى هناك عقبة تواجهها هي أن البعض منها أسماءً "مستعارة" (عدا الملحن سلطان الناصر) ومن المحتمل أن تتوقف في أي وقت متى ما غابت الحالة "المزاجية" أو اعترضتها الظروف، فأبرز الأسماء الشابة التي يمكن الاعتماد عليها كجيل شاب يمكن أن تختفي في أي لحظة. لم يسبق للساحة الغنائية السعودية أن عاشت هذا الفقر في الأسماء المبدعة، ففي الجيل الذهبي كان هناك عشرات الملحنين الفاعلين الذين يتنافسون على تقديم اللحن الأجمل والأفضل، بينما الآن لا يوجد إلا أسماء معدودة، وهي مهددة بالتوقف في أي لحظة، وبعد موت أهم الأسماء وابتعاد الكثيرين، هل يمكن القول إن الأغنية السعودية تعيش مرحلة احتضار؟. محمد المغيص عبدالرب إدريس وناصر الصالح صالح الشهري سامي إحسان طلال باغر