(إلى أحمد بلال ذات الطير الذي مر..) كل سماع للموسيقى هو تجديد علاقة مع الحواس والأعضاء. كل سماع للموسيقى هو سؤال دائم للذاكرة والمستقبل. وكل لغة تخاطب الحواس والذاكرة. إذ كل لغة تخونها رموزها. أياً كانت تلك اللغة فلا تعبر عنها إلا بشكل تقريبي، وما دام للغة الكلام، مثلاً، رموز مسمارية وصورية وحروفية، فانه استخدم للتعبير عنها الحفر والنحت، والنقش والرسم، والتشكيل. أما الموسيقى فهي لغة الصوت استخدم في التعبير عنها بصوت المحاكاة، وتمثيل الحواس(كالسمع) والأعضاء (آلات النفخ امتداد للحلق، وعائلة العود والكمان امتداد للبطن)، والرسم والهندسة والأرقام لم تعبر عنها سوى لغة الإحساس لأنها توجد الانفعال فهو الذي يعبر عنها لا رموزها المتعارف عليها كذلك لغة الكلام لم تعبر عنها سوى الأصوات. ولكن الحنجرة البشرية تعبر عن الحواس والأعضاء والذاكرة والمستقبل. هذا هو مايك ماسي الذي يعبر صوته عن لغة الكلام، وإحساسه عن لغة الموسيقى. يمثل مايك ماسي حالة خاصة من بين حناجر "الغناء البديل أو المستقل" مثل: ياسمين حمدان ومريم صالح وعزيز مرقة ودينا الوديدي ودنيا مسعود وفيروز كراوية ورامي عصام وفرق غنائية كمشروع ليلى وكايروكي . وإذا كانت تتشعب في تيارات "الغناء البديل أو المستقل" مصادر ومرجعيات موسيقية محلية وتقليدية وتثاقفية تتقاطع مع ألوان الغناء الرائج والمعمم تجارياً وتسويقياً وتداولياً فهي تنحرف عنه إلى التعبير والتمثيل عن مضامين جيله المهمش والمستبعد بطرق احتجاجية ورفضية تستخدم أنماطاً بديلة أو مستقلة في المواضيع والألوان والأداء . إذا رأينا اعتماد مريم صالح ومشروع ليلى ورامي عصام على لون الروك مع الإحساس العربي سنجد أن الوديدي ومسعود تستمدان الأنماط الشعبية في غناء غير تقليدي فإننا نرى مرقة يقدم مزيجاً بين الشعبي العربي والجاز فيما ماسي يتخذ اتجاها نحو النمط التعبيري والراقص في مواضيع تتناول الطفولة والحرية والعلاقات المقلقة. يعبر مايك ماسي، وإن كان لبنانياً أو بروح متوسطية، عن حنجرة متمرسة عن تدرب جاد، ورهافة في الأداء وتحكم مطلق بالصوت حيث يقول بالحب والسلام والقلق والفتور. ويكشف في موسيقاه عن حالة لبنانية في الموسيقى تبدأ مما انتهت إليه تجارب لحنية عند زياد رحباني وزياد بطرس المتصلة بشكل أو بآخر بتجارب لحنية سابقة عند الأخوين رحباني وزكي ناصيف، ويعيد تطوير جماليات الأداء عند فيروز وعايدة شلهوب، وماجدة الرومي وجوليا بطرس. وكذلك يكشف عن حالة متوسطية عند الغناء الفرنسي المتمثل في جاك بريل وشارل أزنافور، وتراكمت خبرات السماع الحر كما سبق والمنظم عندما درس الموسيقى الأوروبية التاركة أثرها عليه وهي المتمثلة في عصر الباروك الزخرفي عند باخ وألبينوني التي تقترب من مرجعية واحدة مع الموسيقى العربية حيث العصر الأندلسي. ولكن ماسي يبني بين هذا وذاك عالما كلما تقدمت به التجربة تخلص من الذاكرة ليسمع صوته الخاص.