أتت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إقامة مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في مكةالمكرمة يومي 26 - 27 رمضان الجاري في وقت مهم للأمة الإسلامية. فهي أمة تتعرض في هذا الوقت الدقيق للكثير من المخاطر واحتمالية الفتنة والتجزئة، كما جاء في تصريح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، والذي أكد أيضا على حرص خادم الحرمين الشريفين على وحدة الصف والكلمة. هذا الكلام الكبير يفترض أن يقود إلى فعل حاسم من قادة الأمة، لعله في الحد الأدنى أن يوقف أو يكف الأذى بين المسلمين. فما من امة تتكالب عليها الأمم من الخارج مثل امتنا ونحن نكون بأيديهم معاول الهدم. ولذا لن أتحدث هنا عما هو مأمول من المؤتمر والمؤتمرين ولكن ما سيصاحبه من استمرار لفتنة رقمية بدأت تستشري بدافع التفاعل الاتصالي وحرية التعبير والشفافية وغير تلك المفردات الجميلة في ظاهرها ولكن القبح يأتي في ثنايا ممن تصدر عنه. يستطيع المتابع الدقيق أن يقراء مثلا بين سطور التفاعل بين المسلمين كرد فعل استفزازي على أخبار "ياهو مكتوب". فاللغة المستخدمة والتجريح هي بين أفراد من الأمة يختلف حسب مستوى تعليمهم وفرزهم النقدي وبشكل واضح من ردود الفعل. ولكن الغالب يقطر سما زعافا. لذلك فالتقنية الرقمية قادت بعض السفهاء لخوض غمار الكلمة وتأجيج الفتنة بتحفيز من مستفز إخباري ومتحيز في إدارة الموقع لردود الفعل التي تقطر سما. فمثلا، عندما تدعو الأمة في كل مناسبة دينية بأن "لا يؤاخذنا الله بما فعل السفهاء منا"، فماذا فعلنا لوقف ذلك السفه الرقمي الذي يفتت مفاصل الأمة كل يوم؟ أعتقد أن على منظمي المؤتمر ووسائل إعلام الأمة واجب أخلاقي لوقف ذلك الانجراف المتسارع نحو هاوية أو مستنقع الفتنة الذي يحذر منه الأمير سعود الفيصل. وما هي آلية وقف ذلك الانزلاق في منحدر الفتنة؟ ربما يكمن الجواب في زوايا بسيطة مثل التنبه إلى ساحات الفتنة الرقمية، أو التخلص من غياب وضعف المتابعة والرقابة لدى مؤسسات الأمة بما فيها منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطته ووسائل إعلامه. وليست الفتنة محصورة بين المسلمين وبعضهم، وإنما لكي تكون ممتدة للأقليات بين ظهرانيا وخاصة للأقليات من الديانة النصرانية. أنها فتنة رقمية غابت معها آليات الرقابة والمتابعة والمساءلة القانونية. فبدون رصد ومتابعة وتكوين الأدلة لا يمكن أن تعرف الأجندة المخفية لساحات التفاعل للديمقراطية الوهمية وإنما أيضا لتحديد مواقفنا منها ومن المستفيد ومن يريد بنا شرا. إنها مرحلة تسمية الأمور بمسمياتها، فالآن هي فتنة رقمية وغدا ستكون تحريضية لجهات خفية ثم معلنة وبعدها ستكون وسائل للتنظيم، كما حدث مع طيب الذكر تويتر وفيس بوك. ولنتعلم من درس كيف تعاملت تلك الساحات الوهمية للديمقراطية مع ما يمس أمن الكيان الصهيوني وحذف الصفحات المناوئة له أو على الأقل هي أكثر نظافة وباحترافية كلامية من صفحات امتنا الرقمية.. فنحن من يطلق الرصاص على قدميه.. أرجو ألا يفهم البعض أني مع تكميم الأفواه، وإنما لكي تكون الكلمة مسؤولية أخلاقية وقانونية كما هي في الأصل مسؤولية دينية. ففي الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". وجاء تأكيد هذا في حديث معاذ بن جبل عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ... وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يامعاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟ فعندما يكب الإنسان في النار حصاد لسانه فذاك ما اقترف، ولكن أن تكب الأمة معه في الفتنة بفعل ألسنة السفهاء والموتورين في الساحات الرقمية والتفاعلية وبدون تشريع وعقاب قانوني فسنكون امة تحكمها الدهماء والسفهاء. فالغرب وتحديدا الولاياتالمتحدة عندما استشعرت خطر التحريض والفتنة استصدرت قوانين مكافحة الإرهاب والتحريض عليه والانتماء "الباتريوت" بل وتتبع الحريات والتنصت على المشتبه بهم. فاختلطت الحرية في دماء الديمقراطية المثلومة. ولكن نتج عن ذلك في حده الادنى تحديد مسؤولية وقانونية الكلمة وتبعاتها. فهل نتوقع ذات الشيء من مؤتمر مكة؟ فلندع الله لكي تموت الفتنة بين عقلاء المسلمين حتى لا نكب في نار فتنة الدنيا بفعل كلمات الغوغاء منا.