لا يفوّت الجمهور السعودي فرصة إلا ويعبر فيها عن استيائه العارم من مستوى المسلسلات الدرامية المحلية. منذ سنوات طويلة والنبرة هي نفس النبرة؛ استياء وغضب وتساؤلات تدور حول سبب إخفاقنا الفني رغم ما يتوفر لدينا من أموال وإمكانيات. وبصوت واحد يقول الجمهور: لمَ لا نستطيع تقديم أعمال "محترمة" مثل غيرنا؟. ولماذا يستمر هذا السوء سنة وراء سنة؟. ألا يستمع أحد لصوتنا؟!. ترتفع الاحتجاجات وتأتي الإجابة من بعض المسؤولين والمنتجين والممثلين: فهمناكم فهمناكم!. ثم تأتي السنة التي تليها ولا يتغير شيء, نفس السوء, نفس الرداءة, ونفس الاحتجاجات. وإذا أردنا الحقيقة فإن الوضع الدرامي لن يتغير أبداً وسيظل بكاء الجمهور مستمراً ما لم تتغير معادلة سوق الإنتاج الدرامي. إن المعادلة الإنتاجية التي تحكم السوق حالياً تعتمد على ثلاثة عناصر فقط, هي: القناة والمعلن والمنتِج, أما الجمهور فهو خارج اللعبة تماماً. القناة تريد عملاً تغطي فيه وقت بثها الطويل فتبحث عن منتج ينفذ لها هذا العمل ومعلن يدفع نظير رعايته، وهكذا تدور الدائرة، المنغلقة تماماً, دون أن يكون للجمهور فيها أي تأثير. وإذا ما توهّم المُعلن أن المنتِج يقدم أعمالاً ناجحة فإنه سيستمر في رعاية أعماله وستسعد القناة بذلك وستعرض العمل حتى لو لم يحصد أي متابعة؛ المهم أن التكاليف مدفوعة والكل سعيد. أين موقع الجمهور في هذه العملية؟. هل يدفع شيئاً؟. هل يؤثر على مستوى دخل المنتج أو حجم إعلانات القناة أو مبيعات المعلن؟. هل يعلم أحد إذا كان هناك من يتابع المسلسل أصلاً؟. ليس لدينا نظام دقيق لإحصاء نسب المشاهدة ولا نعلم عن الوزن الحقيقي لشعبية هذا المسلسل أو ذاك الفنان في سوقٍ فضائيةٍ محكومةٍ بالأوهام ولا شيء غير الأوهام, إذ يكفي أن يتوّهم المعلن بأن هذا المسلسل ناجح حتى يستمر في دعمه إلى الأبد ولو لعنه جميع البشر!. طالما أن وضع السوق كذلك, وأن الجمهور لا قيمة له في معادلة الإنتاج, وليس له وزن مادي واضح ومؤثر, فإن الحال السيئة للدراما ستبقى على حالها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. في التلفزيون الأمريكي يؤخذ رأي الجمهور في الاعتبار بفضل نظام إحصاء دقيق يقدم تقارير يومية عن نسبة المشاهدات تعتبر مرجعاً بالنسبة للمعلن, حيث تتحدد قيمة الإعلان بناء على ما هو موجود في هذه التقارير, وهكذا يصبح الجمهور جزءاً من معادلة السوق, بل هو الجزء الأهم الذي لا يكسب المنتج ولا تكسب القناة إلا بعد تلبية رغباته. أما في السينما وفي المسرح وحتى الحفلات الموسيقية فإن تأثير الجمهور الأمريكي أوضح لأن الأمر مرهون بالشراء المباشر للتذاكر. كل هذه الوسائل التي تُشرك الجمهور في صلب الصناعة الفنية وتجعله عنصراً فاعلاً في المعادلة، ليست متوفرة في السعودية، فلا إحصاءات عن نسب المشاهدة، ولا صالات سينما، ولا مسارح، لا شيء يربط مباشرة بين أموال المشاهد وجيب المنتِج. إن قوة الضغط الوحيدة التي يملكها الجمهور السعودي، وهي الأموال، معطلة تماماً، والمفارقة أن الجمهور نفسه هو من عطلها، إذ يرفض وجود صالات السينما في السعودية، ويرفض المسارح، رغم أنها الوسيلة الوحيدة التي يستطيع بها إعلان رفضه للرداءة الفنية وتأديب المنتِج، يستطيع أن يقول لا لن أحضر هذا الفيلم السيئ ولن أشاهد أعمال هذا المنتِج حتى يطور من مستواه، وهكذا سيصبح لرأيه قيمة. عندما نطالب بصالات السينما وبالمسارح وبالحفلات وبكل نافذة تواصل مباشر بين الجمهور وصناع الفن، فذلك لكي يكون للجمهور وزن في هذا السوق، حتى يجبر المنتِج على احترام رغبة الجمهور وتطوير أدواته. لقد وصل الفن السعودي إلى نقطة مسدودة ولا انفراج لها إلا بفتح كل المنافذ أمام الجمهور لكي يقول كلمته المؤثرة؛ عبر صالات السينما والمسارح.