إجمالاً، يمكن أن نقول وبكل ثقة: إن "الدراما التلفزيونية الخليجية" في إفلاس. نوبات البكاء وحالات النكد، لم تفارق هذه المسلسلات خلال العقدين الأخيرين. أما الموضوعات فلا تزال، تتناسخ وتقلد فيما بينها؛ وفق ذهنية سماسرة بازارات العطور المغشوشة؛ وجوه جديدة لا تزال تدخل الدراما الخليجية من الأبواب الخلفية الضيقة (المنتجون- المعلن)؛ بعد أن تقلص دور وشخصية المخرج تحت وطأة وسلطة نرجسية المنتج الممثل، وتراجع التقيد بشرط القيمة الفنية؛ في بيئة إنتاج درامي يغلب عليها طابع الهواة والتجربة المتكسبة وسط غياب معاهد للدراما التلفزيونية في الخليج، رغم هذا الكم الهائل من الإنتاج التلفزيوني. أما حال المخرجين في المسلسلات الخليجية؛ فمعظمهم، إما أنه امتهن الإخراج "بالبركة" أو مخرجون عرب من الدرجة الثانية على الأغلب، "استقدمهم" المنتجون الخليجيون لتخفيض التكلفة، ضمن وصفة السلق على عجل. مكانك سر! وباستثناء بعض الأعمال الخليجية (أم البنات) والسعودية (طاش)، التي أعيد عرضها على هذا التلفزيون العربي أو ذاك، فإن الدراما التلفزيونية الخليجية، لم تتمكن حتى الآن من اجتياز اختبار الوصول إلى المشاهد العربي والتحول إلى جزء من أولويات المشاهدة لديه، بجوار الدراما العربية والتركية؛ الأمر الذي يكشف عن مدى مراوحة المسلسلات الخليجية، مكانها وهو ما يستدعي التساؤل وفتح النقاش حول أسباب عدم تطور الدراما الكويتية على سبيل المثال، رغم قدمها وتاريخها، في طرق موضوعات جديدة وتقديم مقترحات فنية متفوقة، عما يقدم الآن، كما نتذكر في مسلسلي (خالتي قماشة) و(إلى أبي وأمي مع التحية). أبله نورة.. إعادة مشوهة للأصل المصري مافيا الدراما الخليجية ثمة أكثر من معرقل يقف وراء تكلس الدراما الخليجية، إلا أن جل هذه الأسباب يحكمها ويسيطر عليها حالياً، ما يمكن تسميته ب"مافيا القنوات" والتي خلقت حالة من الانغلاق والجمود بسبب تحكم مجموعة من مديري الإنتاج في بعض القنوات الخليجية، بالمزاج الإنتاجي لنوعية ما يقدم من مسلسلات خليجية، إلى جانب قيام بعض هؤلاء المديرين بفرض قوانينهم وأمزجتهم الخاصة عبر لعبة الصداقة والمحسوبية والمصالح والعلاقات الخاصة التي يكون أول ضحاياها الفن الدرامي، برصاص تجار الشنطة المليونية؛ وخاصة بعد أن دخل على الخط بعض التجار العرب بمهمة الوساطة شبه الإجبارية بين القناة والمنتج، تحت يافطة "موزع" المسلسلات، حيث يقوم مدير الإنتاج في القناة المقتنية للمسلسل، بفرض هذا الموزع العربي أو ذاك، على المنتج الخليجي، ليقوم فيما بعد بمناصفته الأرباح تحت الطاولة، أو فوقها إن أمكن!. نرجسية "المنتج/الممثل" غير أن البضاعة المزيفة والمعادة في سوق الدراما الخليجية ليس فقط من صناعة مزاج مديري الإنتاج الدرامي في القوات الخليجية؛ وإنما يلعب (المنتج/ الممثل) دوراً مهماً في بعثرة وخلط أوراق الفن الدرامي. إذ أدى تحول عدد من الممثلين والممثلات في الخليج إلى منتجين تلفزيونيين، في صعود واستقرار وتكريس شكل من المسلسلات والشخصيات الدرامية، ما كان لها أن تصعد لولا أن هؤلاء الممثلين، هم أيضاً منتجون للمسلسلات التلفزيونية، كما في حالة عدد من الممثلين السعوديين، وثبات دور البطولة على شخصية بعمر الجدة مثلما هي الحال مع حياة الفهد وسعاد عبدالله. استنساخ "أم البنات" فضلاً عن ظاهرة الاستنساخ، إما بين المسلسلات الخليجية أو من الأعمال الدرامية العربية؛ فما أن ينجح مسلسل ك"أم البنات" للمنتجة والممثلة سعاد عبدالله؛ حتى يبدأ المنتجون من الإمارات وصولاً إلى الكويت في كتابة روشتة درامية، تعتمد اجترار المسلسل المذكور، كما نبهنا إلى ذلك، قبيل موسم رمضان الماضي؛ حيث عرضت القنوات الخليجية مسلسلات مثل: (بنات شما) و(بنات آدم) و(أميمة في دار الأيتام) وغيرها ما هو قادم؛ وفق خلطة حشد أكبر عدد من "الصبايا الخليجيات" اللاتي يتنقلن بحقائب مكياجهن بين شخوص المسلسلات الخليجية؛ فضلاً عن أن النسخة الأصلية –أم البنات- هي في الأساس، "إعداد" مُحرّف، لشخصية سي السيد لنجيب محفوظ؛ اتكأت الكاتبة هبة مشاري حمادة على هذه الثيمة التي قامت بتحريفها انتقاماً من "الرجل" الذي يكاد يتحول في مجمل كتاباتها إلى الشرير المطلق!. فيلم تووت تووت الذي اقتبسته سعاد عبدالله دون أن نغفل عن أمر وهو أن مسلسلات هبة حمادة، بالمجمل هي إعادة إنتاج للدراما المصرية، كما في مسلسل (أبله نورة) بطولة الفنانة حياة الفهد المجتر من مسلسل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة (ضمير أبله حكمت) وهي تجسد شخصية مديرة المدرسة التي تعايش حالات وحكايات ومشكلات الطالبات. "اجترار" الشخصيات الدرامية من المسلسلات المصرية، بالنسبة لهبة حمادة لا يتوقف عند "أبله حكمت" و"سي سيد" وإنما يتعداها إلى السينما المصرية، كما في شخصية كريمة من فيلم (تووت تووت) لنبيلة عبيد والذي يروي حكاية فتاة مصابة بشكل حاد من التوحد، الأمر الذي يضعها في حال استغلال ممن هم حولها؛ وهو "الكاركتر الدرامي" الذي أعادت هبة حمادة صياغته خليجياً في التلفزيون لتُلبِسه سعاد عبدالله في مسلسل (فضة قلبها أبيض) ولكن بصورة أقل حرفية، وفي مغامرة درامية لم تضف ل"أم طلال" ما يستحق أن يذكر، رغم صعوبة أداء مثل هكذا أدوار. غير أن المنتجة/ الممثلة سعاد عبدالله كانت أكثر موضوعية واستيعاباً لضرورات الإنتاج وطبيعة اللحظة، كما في مسلسل "زوارة الخميس" وهي تعتمد مسلسلاً يقوم على بطولة جماعية، مؤثرةً مشاركة الشباب والبنات في البطولة، على خلاف المنتجة والممثلة حياة الفهد التي تصر حتى الآن، على أن تكون البطلة الوحيدة في مسلسلاتها وإلى جوارها أبطال أقل نجومية وأقل "أجراً مادياً"!. وهنا لسنا ضد أن يكون الممثل منتجاً، ولكن بلا شك ضد نرجسيته ورؤيته الأحادية، وإصراره على أن يكون الكاتب والمنتج والبطل المطلق و..؛ عوض اللجوء إلى تقديم أعمال تنحاز أولاً إلى الفن وتحقيق أحلام وأفكار تجتاز شروط وجود هذه الممثلة أو تلك داخل العمل الدرامي، كما يذكرنا ميل غيبسون في "آلام المسيح" فهو المنتج الذي حقق حلمه الفني والفكري وحصد أموالاً طائلة، ولم يفرض نفسه على الآخرين لتجسيد أياً من شخصيات الفيلم الهوليودي الشهير. فاتن حمامة في ضمير أبله حكمت المنتج/ المخرج هكذا إذن.. المنتج الممثل لا يرى إلا من زاويته النرجسية. يريد أن يُكتب التاريخ الدرامي انطلاقاً من حلقاته وزاوية بروزه وحضوره، بخلاف المنتج/المخرج (المتمكن)، ذو النظرة الأكثر شمولية إلى العمل الدرامي؛ حيث ينخفض لديه "حب الظهور" لصالح نجاح العمل، ونجاح جميع عناصره الفنية. إننا حقاً نحتاج إلى إعادة النظر فيما تقدمه المسلسلات الخليجية من أعمال، لا تمت إلى الحياة الخليجية بصلة في المجمل، بل وتعتمد في كثير من الأحيان تشويهها تحت دافع الإثارة، المستلة غالباً من اقتباس أخبار الصحف وتحويلها بطريقة ممجوجة إلى مسلسلات وحلقات تلهث وراء الواقع دون وجود صيغة فنية ومهنية لائقة. ما العمل؟ إن اختناق وتكرار الموضوعات في الدراما الخليجية؛ هو الذي دفع المخرج محمد القفاص إلى الاعتراف بكل بساطة أن سلسلته الدرامية الأخيرة (قصة هوانا) هي "على غرار" سلسلة (أهل الغرام) السورية، في فضيحة درامية مرت دون مساءلة جادة لحالة الإفلاس التي تعاني منها الأعمال الدرامية في منطقة الخليج العربي. الأمر الذي يستدعي حقاً وضع رؤية جديدة من قبل الجهات والقنوات المنتجة، تعتمد إستراتيجية درامية لا تسعى للتكسب وحسب (وهو حقها) وإنما إلى تطوير الفعل الدرامي الخليجي والخروج مما هو رتيبٌ و بليدٌ ومكرر إلى ما هو فني وخلاق وعابر للجغرافيا، عبر عدم حصار وحصر الدراما الخليجية بموضوعات محددة، ورفع الحظر المتشدد على الموضوعات الدرامية السياسية والتاريخية في الخليج العربي، لإتاحة فرصة أخرى للفنان الخليجي لخلق رؤيته الفنية المغايرة والمستلهمة من عمق بيئته وتراثه، من خلال إطلاق هوامش تعبيرية أرحب؛ تساهم في فتح أفق جديد لنهوض فن دراما الشعوب الخليجية.. مجدداً!. «فضة».. ثمرة استنساخ