وصلني العام الماضي مجموعة كتب من صديق قديم، يحبني ويريد لي الخير ولكن المسافة الفكرية والزمنية بيننا صارت غير قابلة للردم. لم نعد نلتقي على أي صعيد عدا ذكريات الحارة والمدرسة. لعله لاحظ من كتاباتي أني في حاجة إلى إعادة تربية ثقافية. من الكتب التي بعثها كتاب بعنوان (العين حق).. مؤلفه يقدم الحلول العلاجية للمصاب بالعين ويتبعها بقصص تثبت حقيقة العين. عندما كنا صغارا كنت أشاهد شخصا يقف أمام المسجد أثناء خروج المصلين وبين يديه قوطي، يطلب من المصلين البصق فيه، كنت أعرف كما يعرف غيري أن تلك كانت الوسيلة لعلاج المصاب بالعين. بعد سنوات قليلة سافرت إلى لندن، لأول مرة أشاهد ذاك الحجم من الاكتظاظ البشري. في أحد تأملاتي ومقارناتي تذكرت صاحبنا الذي كان يحمل القوطي أمام المسجد. لو أصيب امرؤ بالعين في لندن أين سيقف بقوطيه باحثا عن بصقة غريمه بين مئات من الألوف من الباصقين: في البيكادلي أم في محطة فيكتوريا؟ يصل إلى لندن يوميا ويغادرها مئات الألوف من البشر. عدد المتحركين في القطار الأرضي في اليوم الواحد يتجاوز عدد سكان الرياض في ذلك الزمن عشرات المرات. سؤال لم أجد له جوابا فسلمت أمره لعقلي فأقفل عقلي الملف نهائيا. كتاب (العين حق) يقع في مئة وثمانين صفحة. حجمه الحقيقي إذا طبع بطريقة غير مزخرفة لا يتعدى ثلاثين صفحة. الاثباتات والأدلة لم تستغرق سوى 16 صفحة. بقية الصفحات (163 صفحة) تركها المؤلف للقصص والأحداث الرهيبة التي ألمت بالناس بسبب العين وهي أدلته الحقيقية. أعجبتني معظم قصص الكتاب وأمتعتني. تحتاج إلى قليل من المعالجة لتتحول إلى مسلسل تلفزيوني لطيف. كل قصة حلقة: (رجل يصيب نفسه بالعين)، (الابن الذين أسقط أسنان أمه)، (وتعطلت آلة الزواج)، بصراحة تعاطفت مع هذا المصاب كثيرا.. ضربه النضول في أعز قدراته. أما التكنولوجيا فقد نالها نصيب وافر من العين، (السيارة التي تخالف قائدها)، و(التراكتور الذي انقسم إلى نصفين)، و(واحترق مكيف السيارة) و(تعطلت إذاعة لندن).. هنا لا أعرف أين وقف رئيس ال"بي بي سي" في لندن بقوطيه لتدارك الكارثة. كتاب مميز يشجعني على قراءة بقية الكتب التي بعثها لي صديقي القديم لهدايتي.