نشرت إحدى الصحف السعودية في التسعينيات ( قبل حوالي عشرين سنة) خبر إعدام ساحر. بعد فترة نشرت الصحف مقابلة مع أحد القضاة يدعي أنه شارك في محاكمته. أوضح القاضي أن عددا من شباب الصحوة من الجن كانوا شهودا في تلك القضية. كتبت مقالا صغيرا أشرح فيه وجهة نظري. لم أكتبه بالطريقة التي أكتب بها الآن. كان مقالا مليئا بالمدارات والتعطف وقليلا من الدجل بيد أن في داخله رأياً إنسانياً لم أستطع كتمانه. لم أتحدث عن السحر أو عن الهيئة أو شيخ بعينه. كنت أحاول أن أبين أهمية العقل في هذه الحياة. لم ينشر المقال طبعا, و لم تنشر الصحف أي تعليق حول المقابلة. مر تصريح القاضي كأنه حوار مع لاعب كورة مغمور. في نفس الفترة أو قبلها بقليل نزل كتاب في السوق بعنوان حوار مع جني مسلم. سجل هذا الكتاب رقما قياسياً في المبيعات. تبين لي بعد قراءته أن صاحبنا الجني لم يكن مسلما بالولادة. دخل الإسلام قبل صدور الكتاب بفترة وجيزة. كان في الأصل هنديا هندوسيا شريرا . أخرجه أحد الرقاة(جزاه الله خيرا) من داخل مواطن سعودي, ثم اهتدى إلى الإسلام على يد أحد المشايخ. بعد دخوله -أي الجني- الإسلام تحول (جزاه الله خيرا) إلى داعية حسب ما جاء في الكتاب. لا أعرف ما هي أخباره الآن؟! معظم الدعاة- كما تعرفون- انقلبوا إلى الفضائيات. ربما يكون واحد منهم اتخذ صورة إنسي دون أن نعلم. لعل البنك الذي يتعامل معه يخبرنا كيف يحول مئات الألوف من الريالات إلى ربيات جنية. جاء الكتاب في سلسلة من كتب لا تعدى ولا تحصى. ملأت المكتبات التجارية وحلت بالكامل محل كل أنواع الكتب الأخرى لا ينافسها على الأرفف سوى كتب الفتاوى الصغيرة المزخرفة . لم يكن بدعة في موضوعه. كان الجن جزءا من حياتنا اليومية بل إن بعضهم أصبحوا أصدقاءنا وأرحامنا. جدة الكتاب تكمن في أنه أول حوار مع جني خرج من داخل سعودي. ركز الصحفي المصري (مؤلف الكتاب) في حديثه مع الجني على دور عقلاء الجن في الدعوة إلى الإسلام. مع الأسف لم يسجل مذكراته داخل المواطن السعودي. أكلتني أصابعي فكتبت مقالا. جاء كلامي ناعما وطيبا وينطوي على كثير من المداراة والتقدير. حاولت أن أبين أهمية العقل في هذه الحياة. رفضت الصحف نشره. قبل أشهر قليلة- كما تتذكرون- ادعى قاضي المدينة المتهم باستغلال منصبه أنه مسحور, وأن الملايين التي تعمر حسابه البنكي دخلت دون علمه. هذه المرة لم تصمت الصحف السعودية. شنت حملة كبيرة على معاقل الخرافة التي استند إليها القاضي. هذا القاضي لم ينطلق من فراغ. تتسق ادعاءاته مع كلام زميله القديم الذي حكم على إنسان بالإعدام بشهادة من الجن وتتسق في نفس الوقت مع الجني الذي تحول إلى داعية. في النهاية تتسق مع الثقافة التي ساندتهم طوال فترة الصحوة. نسمع اليوم من يتباكى ويشتكي أن الصحف السعودية مختطفة. من اختطف الصحف السعودية, العقل أم الخرافة؟