يتفق العقلاء والعلماء والحكماء والتربويون على اهمية وجود القدوة الحسنة في حياة الاطفال، لان النفس الانسانية بطبيعتها تتأثر كثيرا بالشخصيات البشرية المحبوبة لها فتحاول تقليدها ومشابهة افعالها ومحاكاة اقوالها، لاسباب كثيرة منها حب الكمال و منها ان للانسان غريزة فطرية تحب تقلد الأسوة وتتعلق بالقدوة وتتمثل بسلوك الآباء وشخصيات المعلمين وتحاكي اخلاق الاقران ، مما يمكنها من تعلم العلم واكتساب الخبرات واحتواء التجارب والحكم بسرعة تتناسب مع عمرهم الزمني القصير خصوصا وسط هذا الكم العلمي والثقافي الكبير مما يختصر المسافات ويقلل الوقت ويبعد التردد او التشكيك، ولذلك قال تعالى في حق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وقال في حق الانبياء من قبله: ( فبهداهم اقتده ) لان الانبياء كالشموس تنير للناس طرقاتهم حتى لا يتعثرون ولا يزلّون .. ومن الاسباب النفسية التي تقف خلف تقليد الناس للقدوة، معرفتهم في داخل انفسهم ان هذه المثل العليا والاخلاق الفاضلة والحكمة المضيئة كلها موضوعات قابلة للتطبيق وفي مقدور البشر عملها بدليل ان (القدوة) استطاع ان يتمثل بها، فرأوا مايحبون مطبقا في ارض الواقع، هذا امر مهم لان البشر بطبيعتهم يتساءلون كثيرا عن الكمال وعن امكانية حصوله للبشرية الخطّاءة بطبعها وعندما يرون ( القدوة البشرية تطبقها ) تزداد قناعتهم وعزيمتهم بإمكانية التطبيق . . ****** ورغم اهمية القدوات الحسنة في حياة الاطفال والمراهقين كطريقة من طرق التربية والتعليم والتثقيف، الا اننا وللاسف قدمنا لهم قدوات صنعها الآخرون لنا، قدوات لا تتناسب وطبيعة مبادئنا واخلاقنا وعقيدتنا، والاسوأ من هذا كله أنها قدوات كرتونية فنتازية خيالية لا صلة لها بأرض الواقع، مما يزيد قناعة الطفل المحب لهذه الشخصيات بأن الخير والصلاح والقيم والفروسية والاخلاق انما هي مثاليات صعبة التطبيق لاننا لا نرى بشرا يقدمها بشخصه كواقع معاش، وهذه الفجوة التربوية مازلنا في غفلة عنها رغم اننا نرى اطفالنا كالمغيبين خلف شاشات التلفاز ونجومه المتهافتة، فمتى نربط اطفالنا بقدوات بشرية حسنة قد أثرت بعلمها واخلاقها في مجتمعاتها، ونريدهم قدوات محلية فقد مججنا المستورد ومللنا المجلوب وكرهنا المصنوع، نريد قدوات كالمصابيح تنير لنا في عتمات الليل البهيم، فيتوقد عند اطفالنا الحماسة ويدب فيهم العزم، ويتبين لهم الرشاد، وتاريخنا ملئ بتلك الشخصيات الباهرة، فان ابينا وقصرنا في ذلك فلا اقل من ان نكون نحن الآباء والمعلمون قدوات صادقة لابنائنا، نمتثل لما نأمرهم به ولا نخالفهم لما ننهاهم عنه، فإن لم يروا منا خيرا يهدى فلا أقل من أن نستر عوراتنا عنهم ... وكل رمضان وانتم بخير، وعلى دروب الخير نلتقي ...