كثيرٌ من الفتيات اليوم يفتقدن إلى القدوة الصالحة في حياتهن، وذلك لأن معايير الاقتداء لديهن قد شابها الخلل، فبعد أن كانت القدوة قديمًا هي الموجه والمرتكز الأساسي الذي تعتمد عليه الأسر في التوجيه والتربية، نجد اليوم أن بعض الفتيات قد يقتدين بقدوات ليسوا من مجتمعهن أو يحملن نفس مبادئهن وقيمهن؛ّ مما أفقدهن البوصلة في اتجاه تحديد القدوة الصالحة بما يتناسب مع هوية الفتاة المسلمة، “الرسالة” ناقشت قضية الفتيات وافتقاد القدوة والأسباب الداعية لذلك وكيف يمكن أن نجعل من المجتمعات المسلمة قدوات صالحة وهل يمكن صناعة القدوة وغيرها من المحاور في ثنايا هذا الموضوع: أسباب افتقاد القدوة بداية يبين المستشار الأسري والاجتماعي عامر الأسمري الأسباب التي تجعل الفتيات يفتقدن القدوة الصالحة اليوم قائلًا: الأسباب كثيرة ومنها: الأسرة والبيئة التي تعيش فيها الفتاة تؤثر فيها كثيرًا. كذلك فإن الإعلام من أهم الأسباب لأن هناك دعاة التغريب والعلمنة وهؤلاء يسعون بخطى دؤوبة لتصوير واقع المرأة المسلمة بأنه واقع مأساوي محزن، فهي متخلفة عن ركب الحضارة، بائسة، مقهورة... الخ. وذلك لأنها الوحيدة في العالم التي لا يسمح لها بتقليد الغرب علنًا. ومن الأسباب كذلك غياب المرأة المسلمة القدوة عن ساحة الإعلام أو الظهور بصفة عامة، ولا نعني بذلك أن تظهر المرأة المسلمة في وسائل الإعلام، وتختلط بمحافل الرجال، ولكن نقصد أن جهود وإنجازات المرأة المسلمة في الماضي والحاضر شبه مغيبة عن حاضر فتياتنا، ويقابله تشويه متعمد لصورة المرأة المسلمة، كما يقابل ذلك كم هائل من الغثائية الأنثوية التي لا تمثل قيم ومبادئ ديننا الحنيف بصورة صحيحة، في حين أن جهود وإنجازات المرأة الغربية هي محط الأنظار والمتابعة بصورة دائمة، فهذه قد أصبحت وزيرة، ورئيسة دولة، وتشارك في الجيش، وقيادة الطائرات... الخ. كذلك ضعف البناء العقدي لبعض فتياتنا، وعدم وعي بعض الأسر المسلمة بأهمية تكوين قاعدة ثقافية إسلامية لدى الفتاة المسلمة تمكنها من الثقة في عقيدتها ومنهجها، والمدافعة والوقوف في وجه مثل هذه التيارات، وأخيرًا ضعف طلب العلم والقراءة في كتب السير والأعلام والتاريخ مما يساعد ويشجع الفتاة على الحماس وتربية نفسها لكي تكون قدوة حسنة في أمتها. ندرة القدوات كما شدّد الأسمري على أن المفاهيم اختلفت اليوم عما كانت عليه في السابق ويقول: هناك اختلاف كبير وشاسع، الفتاة أو المرأة القدوة لم تعد موجودة إلا نادرًا. في المناسبات الاجتماعية مثل مناسبات الزواج تحضر كثير الفتيات ويكون فيهن ما الله به عليم من التعري والمنكرات ولا تستطيع إحداهن الإنكار أو التذكير. صناعة القدوات تحتاج إلى صبر وإخلاص وتربية وقدوة صالحة في البيت حتى نستطيع إخراج نماذج صالحة، المهمة ليست مستحيلة ومن الممكن أن نعد جيلًا من القدوات، بإمكان الفتاة أن تبدأ برسم خطة في بناء صورة القدوة الصالحة، وليس ضروريًا أن تكون القدوة موجودة في عصرنا الحالي، فربما تكون بعيدة. وذلك بالقراءة في سير الصالحات في عهد النبوة وفي عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وليس شرطًا أن تكون القدوة امرأة، وتكفي سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، لأن شخصية الرجل قد تكون أقوى في كثير من الجوانب. وأكد الأسمري أهمية وجود القدوة في البيت فقال: القدوة في الأصل من داخل الأسرة أو المجتمع العائلي، فإذا أصبح الأب والأم أسوة حسنة للفتاة فإنها ستكون قدوة صالحة لغيرها وأهلها وأبنائها في المستقبل، بعض الأسر لا يكون لديها قدوات ولكن الله يطرح في بعض أبنائهن البركة والصالح، والدور الأساسي على الأسرة في البحث عن الصالحات ومحاولة ربط علاقات اجتماعية مفيدة حتى تعيش هذه الفتاة في هذا الجو وتنشأ فيه. ومن الوسائل التي تساعد في صناعة القدوات زيارة الصالحات من النساء الداعيات وصاحبات الهمم العالية، وحضور المحاضرات والدورات التدريبية، وقراءة كتاب سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وقراءة فضل الصحابيات. الحاجة للقدوة الحسنة ومن جهة أخرى يدلي المستشار الاجتماعي الدكتور عبدالله الشمراني بدلوه مؤكدًا أهمية وجود القدوة في المجتمع فيقول: لا شك أن القدوة الحسنة مطلب في كل زمان ومكان وفي هذا الزمن نحتاج للقدوات بشكل أكبر من ذي قبل نظرًا لضعف العلم الشرعي وضعف الرقابة الأسرية والانفتاح الإعلامي بجميع وسائله، ونظرًا لضعف التربية بكل مستوياتها ومن هنا تنبع الحاجة للقدوة الحسنة التي تتفهم احتياجات الشباب وتعمل على تحقيقها بشكل صحيح ومتوازن في نفس الوقت، وفتياتنا في هذا الزمن بحاجة للأم القدوة والمعلمة القدوة والإعلامية القدوة حتى لا يكونوا ضحايا للإعلام الزائف والموضة الخادعة والفضائيات الفاتنة والنت المفتوح. وحينما نجد القدوة الصالحة فهنا تستطيع الفتيات التعرف على حقيقة الأمر وأن النجاح ليس في التقليد، وأن السعادة ليست في تفاهات الأمور بل في معاليها، والقدوة الحسنة لا يعدلها شيء في تربية الجيل، لأننا دائمًا نتأثر بالسلوك أكثر من تأثرنا بالكلام. تعميق معنى القدوة ومن جانبها تؤكد المشرفة على المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة فدوى الخريجي أن أهم الأسباب لافتقاد الفتيات للأسوة الحسنة عدم تعميق مفهوم القدوة في نفسها فقالت: من أهم الأسباب في نظري أن الفتاة لم تجد من يُعمق في نفسها مفهوم القدوة وأهميته كما أنها لم تجد من يسعى لتواصلها مع بعض القدوات في المجتمع مع تركها تتطلع وتتفتح على نماذج غير صالحة عبر بعض وسائل التقنية. وقد اختلفت القدوة عما سبق لدرجة أننا أصبحنا نبحث عنها كما نبحث عن العسل الأصلي بينما في السابق معلوم أن أكبر قدوة وبخاصة للفتيات هي الأم والمعلمة والجدة.. الخ. أما عن تربية الفتاة بالقدوة فتوجزها الخريجي بقولها: لا بد للفتاة أن تفهم معنى القدوة الحقيقية، وأن تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته رضوان الله عليهن، وأن تبحث عن الحق وتتمسك به ولو كان عند غير أهلها ومجتمعها، وأن تمحو من ذهنها أن والديّ فقط هما قدوتي بل ولا بد أن تعرف أنهما بشر وغير معصومين من الخطأ. وتستطرد موضحة دور المؤسسات فتقول: على المؤسسات عمل دورات ومحاضرات تعلم النساء أولًا وترتقي بذواتهن حتى إذا أصبحن أمهات أو مربيات يكنّ محل قدوة للفتيات، ومن المفيد توفير الأشرطة والكتيبات التي تتحدث عن أصول التربية وفنونها وإيصالها إلى كل بيت، وكذلك إقامة الملتقيات للفتيات والتي يتعلمن منها مهارات تساعدهن على اتخاذ قدوات صالحة لهن. آلية صناعة القدوة وتختم الخريجي حديثها مع “الرسالة” بآليات صناعة القدوة فتقول: لا بد من اختلاط الفتيات بشخصيات ناجحة وبارزة والتواصل معها وزيارتها، وأن يُشرح للفتيات مفهوم القدوة فمثلًا قد تسأل اليوم الفتاة من قدوتك؟ فتقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن حالها لا يدل على ارتباطها بهديه ولو بشعرة، فنقول لها: بنيتي هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمح لزوجاته بمثل هذا اللباس الكاسي العاري، وهل اتخذ لابنته فاطمة التي كان يحبها أكثر من نفسه عرسًا أو أثاثًا مع أنه قادر؟ وهل كان يسب أو يشتم؟ أو كان يؤخر الصلاة؟ أو كان سيئ الخلق؟ ولا بد من تدريسهن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته حتى يحفظنها ويطبقنها.