تختلف التكهّنات والتوقعات للحدث السوري، وذلك بسبب قوة الحدث وقسوته. الثورة السورية تصارع النظام بكل قوة. والمراقب يدرك أن الأسبوعين الأخيرين كان مستوى المعارضة ممثلةً بالجيش الحر قوياً على أصعدةٍ كثيرة. يكفي أنه بدأ يلعب على أوتار المعلومة. أن يخترق الصفوف الأولى للنظام السوري ومن ثم يجهز على قادة أساسيين في النظام وفي خلية الأزمة. بل إن العملية الأخيرة التي استهدفت مبنى الأمن القومي كانت نوعية وهي أخطر عملية في كل الثورة السورية. إنها عملية توضح كم أن الجيش الحر استطاع أن لا يعتمد فقط على السلاح وإنما أيضاً على قوة المعلومة الاستخباراتية، كما أن السلاح الذي يستخدمونه قد استطاع أن يشكل خطراً حقيقياً على النظام السوري بأكمله. شتّتَتْ العملية العسكرية الأخيرة الذهن السوري. بشار الأسد الذي يحيط نفسه بهالةٍ من الغموض يبدو أنه يعيش حالاتٍ صعبة، الشيء الوحيد الذي يستطيعه هو المزيد من قتل المدنيين. لكنه لا يمتلك أي حل سياسي. لديه السلاح المتقاطر من إيرانوروسيا والصين، لكن ليس لديه أي استراتيجية، يعيش على الفيتو الذي يحييه رغم مرضه من قبل روسيا والصين. والفيتو لا ينقذ النظام من الجيش الحر. البسالة التي يواجه بها الجيش الحر كل قوة الجيش السوري الغاشمة منقطعة النظير، رغم المسافة بين القوة العسكرية لقوات بشار الأسد وبين القوة الأقل قوةً لدى الجيش الحر إلا أن المعنويات العالية لدى الجيش الحر مكنت الثورة من الحياة على طول مدة بدئها. إذا قسنا المعايير بين الجيش الحر وقوات الأسد سنجد أن الأول يتصاعد قوةً والثاني ينهار، مع أن الفارق لصالح قوات الأسد، لكن المؤشر يقول إن النظام السوري يعيش أيامه الصعبة للغاية. العملية النوعية هذه ليست مفبركةً من النظام السوري كما يحلل البعض، بل هي من صنع الثوار. لأن أي عملية تصفية لايمكن أن تتم ضد هذه الخلية الأقوى، ثم إن هذه الخلية هي التي تمسك بالأمن من عروقه فمن يقتل من؟! التحليل الذي يعتمد على أن بشار هو من صفى خلية الأزمة خارج سياق التحليل المنطقي، لأن هذه الخلية هي التي تدير بشار نفسه. ثم إن تهاوي النظام وتساقطه يمنع هكذا عملية من الأسد ضد خلية الأزمة. بل هي عملية نوعية من الجيش السوري الحر الذي يريد للثورة السورية أن تتم. لاشك أن النجاح للثورة السورية يلوح بالأفق، لكن الثمن كان باهظاً جداً، لكنه خيار الناس الذين ذاقوا مرارات الكبت والحرمان والطغيان لمدة جاوزت الأربعين سنة. التحدي الأكبر لدى الناس، لدى المجتمع السوري. الصراع بين السنة والعلويين يجب أن يتوقف إذا أراد المجتمع السوري أن يكون منسجماً بعد سقوط النظام وأن يكون متفاهماً وعصرياً. النبرة التي تتصاعد بين فترةٍ وأخرى بين السنة والعلويين ليست مطمئنة. التقارير الدولية تشير إلى وجود صراع أهلي بين الطوائف في سورية، وهو صراع أشعله النظام السوري نفسه ليبقى. والفخ المنصوب ضد السوريين والمجتمع السوري من الضروري أن يُكشف وأن لا ينطلي على الناس. المسؤولية المجتمعية للسوريين بعد الثورة أن يخالفوا ما أراده لهم النظام. أراد لهم العنف والحرب الأهلية وتشويه الثورة، كل ما أراده النظام يجب أن يخالَف، هزيمة النظام السوري اجتماعياً أهم من هزيمته عسكرياً، لا انفصال بين الحرب على النظام عبر التسامح والتأزر والتآلف، وبين الحرب العسكرية على النظام السوري الغاشم. نتمنى المزيد من الحرية والأمن والتسامح لسورية، أما الأسد الظالم فإن ساعة رحيله قد دنت..