يتزايد القلق في الهند من أن تصبح لباكستان اليد العليا في «حرب بالوكالة» بأفغانستان حيث تسعى الدولتان الى كسب النفوذ في مرحلة نهائية تهدد بفراغ سياسي اذا انتهت الحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة. ويرى خبراء أن تزايد الارتياب بشأن أفغانستان ربما يهدد محادثات السلام المترددة بين الهند وباكستان وينذر بمزيد من هجمات المتشددين على الأراضي الهندية. وهناك مؤشرات ايضا على أن كل هذا يقوض علاقات نيودلهي مع الولاياتالمتحدة بعد فترة شهدت ازديادها قوة. وزاد شعور الهند بأنها تلعب دورا ثانويا بعد الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى الذي دار الأسبوع الماضي بين الجيش الباكستاني وساسة امريكيين في واشنطن والإشادة بحملة باكستان ضد قادة طالبان والوعود بالإسراع من المساعدات الأمريكية لإسلام اباد. ومما يوطد هذا الشعور اعتقاد بأن القوى الغربية بحاجة الى باكستان اكثر من الهند لدى الوساطة في اي اتفاق مع طالبان في حالة انسحاب القوات الأمريكية مما يوجد مصدرا محتملا لاضطراب العلاقات بين القوة الاقتصادية الآسيوية الصاعدة والغرب. وقال وكيل الوزارة الهندي السابق لاليت مانسينغ: «هناك شعور في الهند بأن باكستان تزداد غرورا.. باكستان بات لديها قدر اكبر بكثير من الثقة في أنه سيكون لها دور رئيسي في أفغانستان وأن امريكا ستعتمد عليها في تنفيذ ما تريده». وكانت نيودلهي قد اعتبرت هجوما شنه متشددون على دار للضيافة بالعاصمة الأفغانية كابول أسفر عن مقتل ستة هنود في فبراير شباط مؤشرا على ازدياد ثقة باكستان. وكان هذا ثالث هجوم كبير يستهدف مصالح هندية خلال عامين. وتنفي باكستان ضلوع متشددين مقيمين فيها. وفي علامة على ما توصف عادة بأنها حرب بالوكالة بين الدولتين في أفغانستان اتهمت وسائل إعلام باكستانية الهند بأنها وراء مقتل بعض العمال الباكستانيين في قندهار مطلع الشهر الحالي. ولطالما وجه المسؤولون الباكستانيون الاتهامات للهند بمساعدة الانفصاليين البلوخ سرا ويزعمون أن العديد من القنصليات الهندية الجديدة في أفغانستان ليست سوى مراكز للتجسس. وقال وكيل وزارة الخارجية الباكستانية السابق شمشد احمد خان «لا مناص من تهميش الهند. فالهند ليس لها دور في أفغانستان. حتى الأمريكيون أدركوا ايضا أن دور باكستان في أي تسوية مستقبلية في أفغانستان ضروري». وظلت كل من الهند وباكستان تسعى لعقود الى تأمين نفوذها في أفغانستان كما جاء الجدول الزمني الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لبدء سحب قواته ليزيد من الحاجة الماسة لكسب نفوذ. وفي ظل تولي طالبان الحكم في التسعينيات فقدت الهند نفوذها في أفغانستان. وتحت قيادة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي استغلت الهند النفوذ الاقتصادي وقدمت مساعدات قيمتها نحو 1.3 مليار دولار لتزيد من وجودها بفتح قنصليات جديدة فضلا عن مد خطوط للكهرباء وطرق سريعة. وبالنسبة لنيودلهي ساعد هذا في ضمان ألا تصبح أفغانستان ملاذا للمتشددين الذين يمكن أن يعبروا الى كشمير. لكن مؤتمر لندن بشأن أفغانستان الذي عقد في يناير/ كانون الثاني مثل نقطة تحول بالنسبة لكثيرين في الهند. فقد أدخل فكرة أن من الممكن أن تقبل اوروبا والولاياتالمتحدة إشراك قادة معينين من طالبان في اتفاق لتحقيق الاستقرار في أفغانستان. وقال م. ك. بهادراكومار وهو دبلوماسي هندي سابق عمل في اسلام اباد وكابول «هناك شعور حقيقي بخيبة الأمل بل وحتى عدم تصديق أن الرؤية الأمريكية بشأن المصالحة مع طالبان انقلبت فجأة إلى النقيض مما فهمته نيودلهي». وفي حين أن عددا كبيرا من مراقبي شؤون أفغانستان الآخرين يقولون إن مشاعر التفاؤل إزاء مؤتمر لندن كان مبالغا فيها ويتشككون في ان تكون واشنطن قد خففت كثيرا من موقفها تجاه المصالحة مع طالبان فإن وجهة نظر بهادراكومار شائعة في الهند. ولمح كرزاي أيضا الى أنه يولي مزيدا من التركيز الآن الى باكستان. وقال عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني الشهر الحالي: «الهند صديقة مقربة لأفغانستان لكن باكستان شقيقة لأفغانستان. باكستان شقيقة توأم». لكن الوضع لم يكن كذلك دوما. فبعد هجمات مومباي عام 2008 ضغطت الولاياتالمتحدة على إسلام اباد لكبح جماح المتشددين. وقوبل رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بحفاوة في واشنطن بعد أشهر من زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لنيودلهي عام 2009. والآن ينتقد الكثير من الهنود ما يرون أنه رد فعل فاتر من واشنطن على ما يعتبرونه صلة باكستانية واضحة بالهجوم على دار الضيافة في كابول. وقال بهادراكومار «من المؤسف أن إدارة أوباما نسيت كلماتها الطنانة عن تعزيز قوى الديمقراطية في باكستان». لكن قد لا تسير كل الأمور لصالح باكستان. الرئيس الأفغاني كتبت ماريا كوسيستو المحللة بمجموعة يوراسيا في تقرير لها: «اسلام اباد تعتقد أن زيادة التعاون هذه ستمكنها من الفوز بتنازلات من الولاياتالمتحدة على المدى الطويل وهو ما سيمنح باكستان توازنا جيوسياسيا في مواجهة الهند. من المرجح أن تتبنى الولاياتالمتحدة نهجا شديد الحذر نحو هذه المطالب الباكستانية». ويعتقد مسؤولون هنود أنه في حين تكسب اسلام اباد حرب العلاقات العامة فإن الهند لديها مساحة للمناورة. وذكرت صحيفة انديان اكسبرس أن نيودلهي ربما تكون مستعدة للتواصل مع عناصر في طالبان لمواجهة باكستان. لكن التوتر مع واشنطن ظهر على السطح حيث تبحث الهند اتخاذ إجراء قانوني لإجبار الولاياتالمتحدة على السماح لمسؤوليها بمقابلة ديفيد هيدلي الذي اعترف امام محكمة أمريكية هذا الشهر بأنه استطلع أهدافا لهجمات مومباي التي أسفرت عن سقوط 166 قتيلا. وغضبت واشنطن من تعطيل البرلمان الهندي مشروع قانون يحد من مسؤولية المؤسسات النووية عن الحوادث الصناعية مما أرجأ دخول شركات أمريكية في سوق قيمتها 150 مليار دولار. وقال براجيش ميشرا مستشار الأمن القومي الهندي السابق «القلق ينبع من شعور في المؤسسة السياسية بأن الولاياتالمتحدة تريد الخروج (من أفغانستان) في أقرب وقت ممكن. باكستان تريد التوسط في اتفاق. الخوف هو أن يعيدنا هذا الى التسعينيات».