في لحظة قد تسوّد الدنيا في عيناك وتشعر أنّ كل شيء من حولك لم يعد يشكّل لك السعادة في حياتك، وأن لحظات الفرح أشبه بسراب تحاول الإمساك به بكلتا يديك، فتكتشف أنّك كنت تقبض بيديك على مجرد محاولات للحياة تشبه فقّعات الصابون الملونة إنفجرت بهدوء رغم حرصك المتناهي عليها، وذلك بمجرد لمسة حانية منك لتتناثر أشلاء أحلامك فوق الأرض لبقايا حلم وردي تمنيت في داخلك أن يحيا للحظة لعله يعيد لك الرغبة في الحياة من جديد، فالمسافة التي تفصل بين خيوط حياتك المتشابكة وقرارك في التخلص من حياتك مسافة قصيرة؛ إذاً، لماذا لا تحاول أن تعيد ترتيب أوراقك المبعثرة والخروج بتفكيرك من عنق الزجاجة المظلم، حاول الوقوف أمام شاطئ البحر والسماح للهواء النقي أن يغذي شرايين قلبك بالأمل وأن تكون متأكداً أنّ الغد القريب يحمل لك في طياته أجمل مفاجآته، حاول دائماً أن تُثبت لنفسك أنك قادر على مواصلة السباق في مضمار الحياة حتى وإن تعثرت خطواتك، حاول أن تبقي ذلك الإنسان المتسامح الذي يقبل الهزيمة بشرف حتى وإن طالته طعنات الغادرين في الظلام، حاول أن تبتسم في لحظات اليأس وأن تستعين بثقتك في الله، حاول أن تمسح دموعك التي قد تكون حاولت كثيراً مقاومتها أمام المحيطين بك ولا تخجل منها فالدموع مؤشر على أنك إنسان تألمت فتعلمت. الحياة قصيرة الآن.. أترك الهموم وارم عن كاهلك ثقل الأحزان، فالحياة قصيرة يا سيدي لا تحتمل مرور الألم في طريقها، افتح أشرعتك للحياة بحلوها ومرها، واختطف فرحتك منها وأعلن صلحك مع ذاتك ومع دنياك، الآن فقط تحملنا أقدامنا فوق الأرض لنمارس جنونا بفوضوية أحلامنا.. ولكن غدا لا نعرف ما تحمله لنا أقدارنا، إن أمهلتنا أعوام أخرى سنعيشها بالتأكيد، ولكن أتضمن شبابك الذي تتراقص بفرح داخله؟ الحياة منحتك الصحة والشباب والمال المتواضع، فلتحيا ولتحب الوجود واستثمر منه كل لحظة لتسعد.. أحياناً نتفاجأ بأشخاص غادروا حياتنا من دون موعد سابق ومن دون السماح لنا بعناق أجسادهم وتوديعهم على أمل اللقاء بهم، فلا لقاء لمسافر انتقل بإرادته المهزومة إلى عالم بيوته المتجاورة لا نافذة لها تستطيع الوقوف وراءها ولا باب تطرقه ليسمح لك بالعبور إليه لأنّه طريق اللاعودة، فلماذا إذاً تقرر نهايتك بنفسك وأنت مسافر لا محالة؟. الهروب إلى الإنتحار ورأى «د. مضواح المضواح» - باحث في علم الجريمة والعقوبة والمشكلات الإجتماعية - أنّه في إطار البناء الثقافي والبناء الاجتماعي يحدد المجتمع أهداف النجاح لأفراده - خاصةً للناشئين والشباب من الجنسين - ويحدد كذلك الطرق المشروعة لتحقيق الأهداف، وهذا إجراء سليم، غير أنّ سوء التنظيم والفساد في أي مجتمع قد يحوِّل العلاقة المتناسقة بين الأهداف وطرائق تحقيقها إلى علاقة متصارعة ومتضادة، فكل المجتمعات من خلال الأسرة والمؤسسات التربوية ووسائل الإعلام تُبالغ من قيمة العمل للحصول على المال حتى يُكَّون الفرد ذاته أمام نفسه وعند الآخرين ويبني مسكناً ويكون أسرةً ويقتني سيارة، فيبذل الأفراد قصارى جهدهم، ويكابدون السهر والتعب للحصول على الدرجة العلمية المناسبة للوظيفة التي يميل إليها كل واحد منهم، موضحاً أنّ سوء التنظيم والفساد في مؤسسات أي مجتمع ابتلي بآفة جعل الحصول على الوظيفة أمراً بالغ المشقة وفي بعض الأحيان مستحيلاً، فيشعر هؤلاء الأفراد أنّهم بعد عناء السنين الطويلة باتوا معوقين عن تحقيق هذا الهدف لا لقصور فيهم، وإنّما بسبب سوء التنظيم والفساد، وتفعل فيهم البطالة وذل الحاجة أفعالها الشنيعة، ومن هنا ينفصل البناء الثقافي المتمثل في الأهداف عن البناء الإجتماعي المتمثل في طرائق تحقيق الأهداف. مبيناً أنّه عند هذه الحالة يظهر عدد من النتائج السلبية على هيئة سلوكيات يتوزع عليها الأفراد كل حسب درجة تأثره، ومن أهمها الشعور بالإحباط ثم الاستسلام لهذا الواقع المرير والانكفاء على النفس، واعتماد بعض الطرق المنحرفة لتحقيق تلك الأهداف طالما أنّ الطرائق المشروعة لتحقيقها قد أُعيقت، كبيع المخدرات مثلاً واستخدام المسكرات للهروب من الواقع المؤلم، وذلك بسبب انتفاء القدوة الصالحة، وفقد الثقة بالمجتمع، ثم انهيار قيمة الذات وتلاشي السيطرة على التوازن النفسي وانغلاق الدنيا في نظرهم حتى تصبح أضيق من سجن كئيب، فهذه الحالة الشنيعة تصيب هذه الفئة بعذاب أليم؛ لدرجة تجعل بعض الأفراد يقتنعون أنّ وضع حد لحياتهم بالانتحار فيه راحة لهم من هذا العذاب، وينطوي هذا التصرف على تقديم الحياة ثمناً للتخلص من العذاب الذي يعانونه، ووقاية لغيرهم من العذاب عبر لفت نظر المجتمع إلى هذا الوضع البائس. طفش من الحياة! وأوضح «د. سعد المشوح» - أستاذ علم النفس المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الفرق بين من يهدد بالانتحار وبين من يضع حداً لحياته؛ فالتهديد له جوانب مرضية يجب أن تؤخذ في الحسبان أمّا من يلوح برغبته في تحديد نهايته، فربما أنّه يقصد بذلك حياته الزوجية أو الاجتماعية أو علاقة الصداقة التي تربطه بأصدقائه، مضيفاً أنّه من المهم أن يُفهم المقصود من الإنسان الذي يردد بأنّه يرغب في إنهاء حياته، فإذا كان يقصد التخلص من وجوده من هذه الحياة أو أنّه يسعي للموت فهذا يعد شكلاً من أشكال التهديد بالانتحار ويجب متابعته طبياً حتى تزول عنه نوبة الاكتئاب الشديد، مبيناً أنّ لكل فترة زمنية أسبابها التي تدفع بالناس لقرار بمثل هذا النوع ففي الوقت الحاضر قد تكون الأسباب هي الضغوط الاجتماعية أو المالية أو الاقتصادية أو الفشل في الحياة أو المرور بتجارب مؤلمة دافعه للانتحار، ولكن السبب الرئيس أن يكون مصاباً بالاكتئاب المزمن ولا يؤخذ ذلك بعين الاعتبار من جانب المجتمع المحيط به والمدرسة والأهل، فعندما يعلن الشخص عن رغبته في الانتحار تحدث الحالة دون مراقبة وبشكل مفاجئ، لافتاً إلى أنّ عبارة «طفشت من الحياة» التي أصبحت مصطلحاً دارجاً لدي شباب اليوم كانت نظراً لأنّ جودة الحياة ضعيفة لديهم، مضيفاً: «إنني أتصور أنّ الأفكار الانتحارية باتت تنتشر لدى الأوساط الجامعية بشكل لافت؛ لأنهم بالفعل يتعرضون لكثير من الضغوط في حياتهم وليس لديهم استراتيجيات لمواجهة هذة الضغوط، ولذلك تظهر التصورات الانتحارية أو الرغبة في التخلص من الحياة بشكل أو بآخر، ومصطلح أنّ الحياة ليس لها طعم أصبح يمر على الأسرة كل يوم من دون أن يكون هناك تفكير جدّي في تغيير استراتيجية رتم الحياة ومواجهة الضغوط لدى الشباب». غياب المعين وذكر «د. أحمد البار» - أخصائي اجتماعي - أنّ بعد الإنسان عن ربه، وضغوط الحياة مع عدم وجود المعين الاجتماعي سبب رئيس لقرار الانتحار، لأنّ أغلب الناس بحاجة للمعين لتجاوز الأزمات ولوجود مخزون التعامل مع الضغوط كصديق قريب أو زوجة حنونة تبدد مخاوفه، فالوحدة لدي البعض والظروف الصعبة وغياب الرفيق والونيس تشكك في حساباته الحياتية للأسواء، مشيراً إلى أنّ الرجال أكثر نسبة إنتحار من النساء، فالمرأة عندما تقرر نهايتها تحاول شرب أدوية أو أن تحاول قطع يديها من باب إيذاء النفس، ولكن الرجل صريح وأكثر وضوحاً في وضع حدٍ لحياته وأغلب قصص الإنتحار التي تنشره الصحف تؤكد ذلك. لا تستسلم لضغوط الحياة.. غداً أجمل