من المؤكد أن الناس ليسوا متساوين في أرزاقهم، وأموالهم وحظوظهم في الحياة.. ولكنهم متشابهون إلى حد كبير في همومهم ومشكلاتهم وأوجاعهم بكل تأكيد.. كلهم متماثلون في ذلك، لا فرق بين «مليونير» وفقير معدم، بل قد يكون المعدم أنقى، وأزكى نفساً، وأصح بدناً من «الملياردير»..! وهنا تسهل مسألة الحياة بين الأحياء، ولكن بشرط وهو أن يفهم الناس الحياة بحلاوتها ومرارتها، فلا سعادة مطلقة ولا شقاء مطلقاً.. *** وتبقى قضية هامة هي الأكثر تعقيداً وعمقاً وهي قضية الايمان بالله أو الإلحاد... فالملحد يرى الحياة بعين تختلف عن عين المؤمن، الملحد يرى أن الحياة مصالح ومنافع وأن الذكي هو من يؤمن بهذا فيتخذ إلهه هواه «أي ما يمليه عقله» فطريقه نحو الهوى هو طريقه نحو الحياة.. يؤمن بأن العقل هو الإله الحقيقي ومن ثم فإنه يعمله من أجل تحقيق منافعه، أو مآربه الدنيوية، فلا شيء غير الدنيا، فمتى هلك الإنسان هلك هلاكاً أبدياً.. وبالرغم أن الملحد أي ملحد لا يمكن أن يظل على يقين وثبات في إلحاده، إلا أن سلوكه الدنيوي قائم على عبثية الحياة وعدم جدوى ما نسميه الأخلاق والقيم.. وهو بعدم ركونه إلى الله يكون أكثر تعاسة وشقاء وضيقاً بالحياة.. أما الإيمان بالله وبالقضاء، والقدر، فإن الإنسان متى ركن إليه فإنه بلا شك سيكون أكثر هناء وسعادة.. ولكن بشرط: أن يكون إيمانه ذلك الايمان العميق المطلق.. الفوارق الايمانية مختلفة بين الناس فهناك إيمان ضعيف، وايمان متوسط وايمان قوي.. كما أن هناك الايمان الراكد وهذا ما يتصف به الكثير من الناس.. فهم يؤمنون ايماناً شبه وراثي، أو ايماناً عرفياً إن جاز التعبير.. وهؤلاء من أكثر الناس اهتزازاً أمام مشاكل الحياة من ناحية اغرائها أو الخوف منها.. وهم دائماً يذهبون في داخلهم إلى محاولة إقناع أنفسهم بأن ايمانهم لا يتعارض مع خوفهم من المستقبل، أو من الجوع والفقر حتى وإن ظل خوفاً مربكاً مشحوناً بالقلق.. وهؤلاء هم المزعزعون غير الثابتين، والذين يمكن ان يتحولوا من حال إلى حال، ومن موقف إلى آخر بسهولة تشبه العفوية، وهي غير عفوية بالطبع.. وإنما هي نفعية تحاول ايجاد توازن بين الايمان والمصلحة، وإن كانت هذه المصلحة تتعارض بشدة مع المبادئ الايمانية، نتيجة لتفكك البنية الايمانية داخلهم، حيث يظهر التفكك جلياً في مواقفهم، وهذا نتيجة الايمان الهش، والموقف القلق المزعزع في التعامل مع الحاضر والمستقبل.. أما الذين تتغلب لديهم نزعة الايمان بالمبادئ الدينية، والقيم الأخلاقية، والإنسانية، فهم أشد الناس قوة وعزماً. وهم أشد الناس جسارة في قول الحق فنجدهم في لحظات الارتباك أكثر صلابة، وصموداً، فينظرون إلى ما حولهم من مظاهر الخطر، والقلق، باعتبارها مظاهر عابرة ولابد أن تنتهي إلى الزوال.. لأنهم يؤمنون ايماناً مطلقاً بأن العدل، والخير، والأخلاق الإنسانية، هي قيم ناموسية كونية، إلهية، لا بد لها في النهاية من أن تبقى وأن تنتصر.. ولولا هذه الفئة ذات الايمان المطلق لاهتزت جوانب الكون الأخلاقية وسارت سيراً سريعاً نحو الانهيار.. وهنا يظهر الفرق بين من يتعامل مع الله في كل شؤونه، ومن يتعامل مع المصلحة دون وجل أو خوف من الله.. فصاحب القلب والضمير الإلهي، لا يمكن أن يغش أو يدلس. أو ينافق أو أن يرمي مؤمناً زوراً وبهتاناً أو أن يغش السذج من الناس بالأكاذيب والادعاءات الملفقة، أو أن يختلس عواطفهم بنفاقه ومكره.. وفي النهاية فإن هناك أناساً يموتون من أجل ايمانهم بالله وبمبادئهم.. وهناك أناس تموت مبادئهم على عتبات منافعهم.. وكل يسير على شاكلته..!!