عرف العرب منذ قديم الزمان الحمام الزاجل - كما عرفته الأمم الأخرى - على أنه أقدم وسيلة اتصال تجمع الشتات، وتنقل الأخبار والرسائل؛ إذ ظل العمل بهذه الوسيلة الاتصالية إلى وقت قريب أحد أهم قنوات نقل الأخبار حتى إن (الإنجليز) لا يزالون يرددون المثل السائر على ألسنتهم «لقد أخبرتني الحمامة»، وذلك إشارة إلى الحمامة التي نقلت لهم خبر فوز جيوش الحلفاء بقيادة الإنجليزي «ويلينغتون» على جيوش نابليون في المعركة الشهيرة «وترلو»؛ حين كان البريطانيون ينتظرون أخبار المعركة وسط مخاوف زحف جيش «نابليون» على بريطانيا، ووسط هذه الحالة من التأهب والقلق وصلت الحمامة قبل مراسيل الجيش لتفيد بنتائج المعركة التي رقص معها البريطانيون في شوارع لندن كأنما لم يرقصوا من قبل. ديوان البريد مع توسع دولة الإسلام عرف المسلمون البريد وطوروه وأفردوا له ديواناً خاصاً يُعنى ويهتم به وبشؤونه، حتى كان الخليفة يرسل في اليوم الواحد أكثر من رسول لأقطار مملكته، بل خصصت الجياد السريعة للمراسيل العاجلة أو ما يمسى الآن «البريد السريع»؛ إذ يسلمها حاملها إلى زميله في محطة بريدية على مسافة من الطريق ينقلها هذا بدوره إلى المحطة التي تليها وهكذا إلى أن تصل إلى صاحبها. البداية مع «الحمام الزاجل» و«القوافل» ثم البريد و«مكاتيب المسافرين» و«البرقية» و«المذياع» و«أبو هندل» و«البيجر» كما استحدث المسلمون - أثناء توسع مدنهم وممالكهم - توزيع المراسيم والقرارات السلطانية، أو ما يسمى بالعصر العثماني «الفرمان» على الولاة، أو نشرها في الأسواق والأماكن المزدحمة ليقرأها العامة من الناس ويعملوا بموجبها، كما كان رسول الخليفة ينزل إلى الشارع ويجمع الناس ويخبرهم بأهم الأخبار وأحدث القرارات. أما عامة الناس فكانوا يتناقلون أخبارهم عبر البريد، أو عن طريق من يرونه أهلا للثقة في نقل أخبارهم لذويهم، ولذا كان الناس - حتى في الأزمة المتأخرة - ينتظرون ورود القوافل التي تنقل لهم أخبار أهلهم وذويهم بفارغ من الصبر، وكانت هذه الأخبار ترد عن طريق المشافهة؛ إذ ينقل الثقات وصايا وأخبار الأهالي لذويهم، أو عن طريق «مكتوب» مغلق ومختوم، أو عن طريق قصيدة شعرية تفيد بالأخبار وتبوح بمكنون الأسرار، ولا أدل على ذلك إلاّ الرسائل المتبادلة بين «أبو زريق البغدادي» وزوجته حين هاجر من بغداد إلى أقصى الغرب في الأندلس لطلب الرزق، وحين كانت تصل إليه رسائل زوجته تطلب منه العودة إليها وإلى بنيها؛ كان يبكي ويبلغها بحاله مع الفراق والغربة عبر قصيدة صنفها الأدباء من روائع وعيون الشعر العربي حين قال لزوجته: لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّ بِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ مرسال القصيد مثل هذه الرسائل الشعرية كانت منتشرة في أقطار الجزيرة العربية، لا سيما في العصور المتأخرة؛ حين كان الأزواج وحتى الأبناء يغيبون عن ذويهم بدواعي التجارة وطلب الرزق، مما يصدع قلوب زوجاتهم وأمهاتهم عليهم فيزودون الأدب الشعبي بأبدع وأروع القصائد الشعرية التي ما زالت تتناقل بين ألسنة الرواة وحفاظ الشعر، وتزدهي بها خزائن الأدب والموروث الشعبي كقول إحداهن وهي تراسل زوجها وتطلب منه العودة لها ولبنيها كما هو حال زوجة «أبو زريق» وذلك في قولها: لي متى راحت حياتي وأنا ارجيك الله لا يقطع رجاً بك رجيته لو شفت دمع عيوني اللي تراعيك هلّت على المكتوب ساعة قريته إن كان جا مستقبلك مثل ماضيك أقول يا خلاف سعيٍ سعيته وان كان تبغيني مثل ماني ابغيك لزوم تاطا بالوعر ما وطيته وان كان حال الياس دون الرجا فيك أقول ذا ذنبٍ لنفسي جنيته وعلى النقيض منها كانت قصيدة «حصة العنزية» التي تفاجأت بعودة بعض فتيان قومها من السفر سريعاً من دون الالتحاق بمهنة تساعدهم على ظروف الحياة؛ لترسل لهم عتابها وهم في طريق العودة قائلة: يا عيال يا طول عنوتكم نصف الشهر ما تمضونه خسارةٍ بس روحتكم مع راعي (الفرت) تتلونه جيتوا وهي ماتحرتكم ترجي الفوايد تجيبونه حصيلكم بس كروتكم والزود للشوق صابونه كما كانت القصيدة هي مرسال ابنة «ابن رخيص» حين أرسلت لعمها «شفاقة» الذي احتضنها بعد وفاة والدها تطلب منه توخي بعض الشروط في من يطلب يدها منه وهي تقول: يا راكب فوق لحّاقه حمرًا تقل واشعة دمي اسلم وسلم على اشفاقة واللاش لايرسله يمي حلفت انا ما اخذ العاقة لو آكل العمر عند أمي إلاّ لمن يحتمي الساقة لا درهم الجيش وألتمي أو كما هي رسالة ابن ريس «منصور الضلعان» لأمه التي ظلت تنتظر عودة مع قافلة الحاج وقد تأخر عليها؛ بسبب مرض زميله - الذي رفض تركه وحيداً يصارع المرض من دون معاون أو طبيب يعالجة - وظل معه حتى شفاه الله، بعد أن كان أمير القافلة يطلب منه الالتحاق بالركب وترك زميله المريض يواجه مصيره، ما دعا «ابن ريس» أن يرسل لأمه قصيدة شعرية يخبرها عن حاله وسبب تأخره عنها، وهو يخاطب أمير القافلة قائلاً: يابن رخيص كب عنك الزواريب عمارنا يابن رخيص عواري خوينا ما نصلبه بالمصاليب ولا يشتكي منا دروب العزاري لزما تجيك أمي بكبده لواهيب تبكي ومن كثر البكا ما تداري تنشدك بالي يعلم السر والغيب وين ابني اللي لك خوي مباري قله قعد في عاليات المراقيب في روضة ما حوله الاّ الحباري يتنا خويه لين يبدي به الطيب والاّ يجيه من المقادير جاري إن كان ما قمنا بحق المواجيب تحرم علينا لابسات الخزاري وهي رسالة شعرية لا تبتعد بمضمونها عن رسالة ابن ريفه لجماعته وبني عمه التي نقل لهم من خلالها عن حاله وظروفه، وكشف لهم أوضاع غربته وهو يقول: يالله أنا طالبك حمرا هوى بالي لا روح الجيش طفاح جنايبها ليرسل من خلالها رسالته قائلا : عطو الطويلة عريب الجد والخالي وابن الردي لاتخلونه يزول بها يبدي قرار تكف الجمع لانهالي طويلة ناحل مقدم خشايبها البرقية والمذياع وفي نقلة تكنولوجية وثورة اتصالية عرف أجدادنا في الأربعينات من القرن الهجري الماضي البرقية، وكان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - قد زود كبار المدن بهوائيات وأجهزة البرق الهوائي التي استطاع من خلالها أن يقف على أوضاع البلاد والمواطنين، من خلال ما يصله عبر غرف البرقيات، كما أفادت منها الوفود الزائرة والحجاج، لا سيما برقيات مدينة الدوادمي التي حرص الملك المؤسس - رحمه الله - أن توجز له أخبار طريق الحاج والقوافل. كما استقبل المواطنون قبل أكثر من سبعين عاماً انتشار (الراديو) الذي خلب ألبات مستمعيه، وهو ينقل لهم أحداث الحرب العالمية الثانية وصراعات الأزمة العالمية الاقتصادية جراء الحرب، حيث كان الأهالي حينها يقصدون منزل كبيرهم الذي يمتلك (الراديو)، ويتساءلون فيما بينهم من هو «هتلر» وما هي دول «المحور»، وكيف تنتقل الإبل من جبهة اليابان إلى غرب أوروبا، حيث كانت هذه الأسئلة الفضولية لا تقل عفوية عن إجابة كبير القوم صاحب (الراديو) الذي يجيب عن أسئلة جيرانه بما نسميه الآن تحليل سياسي أو اقتصادي، وكأنه يسمع لذلك الشاعر العربي وهو يصف مذياعه قائلاً: هو فى الحياة مرفه ومنعم ومعلم ينبيك ما لا تعلم يطوى بك الدنيا وانك هاهنا لم تنتقل فكان راسك يحلم في كل ارجاء البلاد حديثه وبكل السنة الورى يتكلم وكانت إذاعة طامي - رحمه الله - تنقل أخبار المجتمع وتستقبل بلاغات الأهالي والإعلان عن سفرهم وعودتهم ومناسباتهم الخاصة؛ كالأعراس والولائم، كما كانت تعلن عن فقد فلان لناقته البكر أو بقرته الحلوب، مستشهدة بمواصفاتها وعنوان صاحبها. طفرة التواصل التقني في الثمانينات الهجرية عرف المواطنون في بلادنا رنين الهاتف، وبعد أن تعايشوا مع (أبو هندل) جاء دور الاتصال المباشر وسماع أخبار الأهل والأصدقاء عبر إدارة قرص الهاتف الذي دوى رنينه في أرجاء مدن وقرى المملكة مع انتشاره في التسعينات الهجرية، وقبلها كانت الصحف اليومية قد بدأت صدورها في الرياض منذ منتصف الثمانينات؛ لتنقل لنا الأخبار العالمية والمحلية الرسمية منها والاجتماعية، وحينها لن تعجب إذا قرأت أن فلانا تلقى تهاني زملائه بمناسبة شرائه سيارة جديدة أو ربما دباب ياباني، كما قد تقرأ إعلاناً عن بيع أراضي تجارية وسط مدينة الرياض بما يقارب ربع ريال للمتر الواحد. وفي بداية التسعينات الميلادية بدأ ظهور جيل جديد من التقنية الاتصالية، كما بدأ المواطنون باستقبال أجهزة النداء الآلي (البيجر) وسط تزاحم طوابير انتظار الصرف لهذه الخدمة التي لم تنته إلاّ بظهور تقنية الهاتف الجوال عام 1416ه - الذي ساهم في وأد خدمة «البيجر»- كما ساهم في اختزال دور الهاتف الثابت ورفع الحرج عن هواتف العملة؛ لحين ظهور جيل تقني بريدي تزامن مع ظهور شبكة الإنترنت تمثل في البريد الإلكتروني - الذي سهل عمليات التواصل والاتصال وجعل وصول الرسالة الخطية رهينة الضغط على زر الإرسال - ناهيك عن رسائل الهواتف المتنقل كالوسائط وال «SMS»، ورسائل الجيل الجديد من «البلاك بيري»، و»الوتس أب»، وصفحات «الفيس بوك»، وحسابات «التوتير» التي انحسر معها دور الحمام الزاجل على «التغريد» خارج سرب التقنية!. الحمام الزاجل أقدم وسيلة لنقل الرسائل والأخبار «مراسيل الوله» تناقلتها القلوب رغم بُعد المسافات تلفون «أبو هندل» وسيلة اتصال لسماع الصوت تواصل الأصدقاء على «الفيس بوك» توثيق اللحظات الجميلة وإرسالها فوراً التقنية ألغت «مراسيل العاشقين» المكتوبة قافلة في الصحراء تحمل معها الأخبار وتنقل المراسيل مراسيل جيل الألفية ب»ضغطة زر» أجهزلة مذياع قديمة كانت أهم وسيلة لسماع الأخبار