في كل مرة كان فيها «يوسف» يتعرض لضغوطات كبيرة في مجال عمله تمارس عليه من قبل المسؤول المباشر عليه.. كان يفكر دائماً أن يقدم استقالته ويتخلص من مديره الذي يمارس عليه اللعبات النفسية والضغوطات حتى يدفعه لارتكاب الأخطاء.. «يوسف» موظف بقدرات وظيفية عالية ومميز في مجال تخصصه، ومتمكن جداً من أدواته، ولكن مديره المباشر بإمكانيات أقل منه وبمستوى علمي بسيط لا يتناسب مع مكانته الوظيفية، مما يدفعه دائماً إلى أن يمارس الضغط على «يوسف» نكاية فيه. حاول «يوسف» كثيراً أن يتحلى بالصبر ولكنه بدأ يشعر بفقد التوازن النفسي نتيجة الضغوطات الكبيرة في مجال عمله، وبدأت تظهر عليه بعض العوارض الجسدية التي تدلل على وجود تعب نفسي شديد كالشعور بالإرهاق وعدم الرغبة في الذهاب إلى العمل، وإذا ذهب فإنه يمارس العمل وهو مكره، لكن ما زال يتساءل بينه وبين نفسه «هل أترك العمل؟»، إلاّ أن صورة أطفاله وزوجته تظهر شامخة بداخله ليجد نفسه مضطراً للتحمل من أجل أبنائه.. على الرغم من أنه مازال يعاني ويشعر أن جبالاً صامدة تجثو على صدره، إلى جانب كثير من الآلام النفسية التي خلفتها «حكاية» عمل لم يجد نفسه فيه. فهل هناك من يعمل في مجال وظيفي لا يجد نفسه فيه؟ أو يتعرض فيه لظلم كبير ويصمد من أجل أسرته وأبنائه؟، وهل لابد أن يستمر الفرد في مجال وظيفي لأنه يتحمل مسؤولية توفير لقمة العيش لأسرته؟ حتى إن كان يشعر بالظلم والضغوطات من الآخرين؟، وماهي مسافة الفوهة التي تخلفها تلك الأوجاع النفسية على حياة الموظف الذي يتحمل لأجل أسرته؟. ضغوطات كبيرة بدايةً، ترى «غادة خالد» -موظفة بالقطاع الخاص- أنه من الصعب جداً أن ينتج الموظف بشكل جيد في مجال عمله إذا كان يشعر بالظلم أو يتعرض لضغوطات كبيرة حتى حينما يجد نفسه بأنه مضطر للبقاء من أجل أسرته؛ لأنه لا يجد من يتحمل مصاريفهم سواه فسيبقى دائما يعيش حالة الإحباط التي تدفعه لعدم الإنتاجية وعدم تطوير أدواته الوظيفية التي تساعد من تحسين دخله الذي سيبقى دائماً بحاجة إليه، مشيرةً إلى أن زميلتها في العمل اضطرت أن تعمل في وظيفة بسيطة لا تتناسب مع مؤهلاتها وقدراتها العملية من أجل تحملها نفقات إعالة والدتها وأخوتها والذين ليس لديهم أحد سواها في حمل مسؤوليتهم، الأمر الذي يدفعها أن تتحمل جميع أعباء الوظيفية وتعالي بعض الزميلات اللواتي يتقلدن وظائف مراتب أفضل منها على الرغم من أنها تحمل مؤهلات تفوق قدراتهن من أجل أسرتها. وقالت:»تعرضت زميلتي لضغوطات كبيرة، ونصحها البعض أن تبحث عن مجال عمل آخر وتترك الوظيفة فتساءلت عن مصير أمها واخواتها، مما جعلها تشعر أن الصراغ نفسي بسبب تحملها مسؤولية مُلزمة من خلالها تحمل ضغوطات عمل غير جيد من أجل أسرتها. قلوب تبكي من القهر على تجاوزات وصلت إلى حدّ الكرامة..و«احمد ربك» و«عاجبك وإلا استقيل» أعباء أسرة وأكدت «ابتهال خميس» على أنه من الصعب جداً أن يستمر الفرد في مجال عمل لمجرد شعوره أنه من يتحمل أعباء معيشة أسرته، خاصة حينما يشعر بالظلم أو النقص في ذلك العمل؛ لأنه سيتحول مع مرور الوقت إلى فاقد للشهية ليس فقط في مجال وظيفته بل في حياته بأكملها، إذ إن بعض الأشخاص يستطيعون فصل حياتهم الخاصة عن مجال عملهم إلا أن الإنسان حينما يعيش أزمة حقيقية في العمل فإنه يبقى دائما رهيناً لها فتؤثر عليه بشكل سلبي. وأشارت إلى أن زوجها بقي سنوات طويلة فاقداً للمتعة في الحياة في حالة مزاجية سيئة؛ مما انعكس على مستوى تعاطيه مع أبنائه حتى أنه لا يعود إلى وضعه الطبيعي إلاّ حينما يخرج في إجازة طويلة ما إن يعود منها إلاّ وتعاوده جميع تلك الضغوطات لأنه لا خيار أمامه سوى تحمل أعباء العمل من أجل أبنائه، موضحةً أن الأناس المحظوظين في الحياة هم من يعيشون استقراراً نفسياً كبيراً في وظائفهم، وفي محيط حياتهم الأسرية فمتى وُجد الاستقرار في هذين المجالين فإن الإنسان هنا يكون قد حصل على السعادة الكبيرة. لقمة عيش أما «أم عبد الرزاق» فتعيش وضعاً صعباً جداً في مجال عملها الذي تتحمله من أجل أبنائها السبعة، فهي تعمل في إحدى المشاغل النسائية كعاملة نظافة وربما طلب منها أن تعد الشاي والقهوة، وتبقى في الصالون النسائي أيام المناسبات والأعياد حتى ساعات متأخرة، على الرغم من محاولتها الدائمة بأن تتحمل من أجل لقمة العيش وهي المرأة الطاعنة في السن، إلاّ أنها تتعرض للكثير من الإهانة من بعض العاملات أو الزبائن الأمر الذي يدفعها للبكاء حينما تعود إلى منزلها؛ لشعورها بالقهر النفسي، ولكنها تبقى تتحمل من أجل أبنائها الذين تساعدهم على الوقوف في الحياة بعد وفاة زوجها. وقالت:»لقمة العيش صعبه.. والأصعب هو تقليل ذاتي أو الإهانة ولكن الحياة تحتاج للكثير من الصبر على مصائبها.. نحتاج أن نقف بقوة وصلابة من أجل الناس الذين نحبهم وهم أبنائنا». ..تحمّل من أجل رزق أولادك الكرامة أولاً واختلفت معهم «صباح يامي» التي ترى أن الكرامة أهم ما يمكن أن يعيش به ومن أجله الإنسان في الحياة، فإذا تنازل عنها فإنه يكون في عداد الأموات، فلابد أن يكون هناك خط فاصل بين التحمل لأمور بسيطة في العمل وبين الأمور التي تتقاطع مع عزة النفس وكرامة الإنسان، فحتى إن بقي دون وظيفة عليه أن يحمل بداخله اعتزازه بذاته ولا يسمح للحاجة المادية أن تدفعه للتنازل، مشيرةً إلى شقيقتها التي تزوجت من زوج ذو دخل محدود وأنجبت الأبناء منه، واضطرت أن تعمل في إحدى الوظائف بأجر مقطوع ولكنها حينما شعرت أن المديرة تحاول دائماً أن تمارس عليها دور الفوقية والتعالي واضطهادها بشكل دائم لم تقبل أن تستمر في وظيفتها، على الرغم من حاجتها الماسة لذلك الدخل المادي فتركت عملها من أجل الحفاظ على كرامتها. وشددت على أن المرء قد يجد فرصة عمل أخرى في مكان ما، ولكنه إن خسر نفسه أين يجد ذاته من جديد وكيف سيستطيع أن يتصالح مع نفسه إن لم ينصفها بالاحترام لها ولإنسانيتها، منوهةً أن الجوع والاحتياج أفضل بكثير من عمل أتعرض فيه بشكل دائم للظلم أو الإهانة. قدرات وطموحات وأشار «شريف أيمن عزام» -استشاري علم النفس- إلى أن الصحة النفسية لا يمكن أن تتوفر للإنسان إلاّ حينما يتناسب قدراته مع طموحاته فكيف من الممكن أن تكون نفسية من لا تتناسب قدراته مع طموحاته الوظيفية، فهنا من الممكن أن يكون الفرد عُرضة للضغوطات النفسية التي يتعرض لها في الحياة، موضحاً أن أهم ما يمكن أن يبرز في حالة هذا الفرد وجود بعض الاضطرابات النفسية الجسدية كالشعور الدائم بصداع، أو آلام في المعدة أو في القولون، فجميع تلك الأعراض يشعر بها من لديه ضغوطات كبيرة في مجال عمله، ولذلك حينما يراجع الطبيب فإنه بعد التحاليل والفحوصات ينصحه طبيبه باللجوء إلى طبيب نفسي أو أخصائي نفسي. وبيّن أن الفرد حينما لا يكون لديه دافعية للإنجاز في محيط عمله فإنه يكون عرضه للوقوع في أخطاء بسيطة في العمل، فما يحدث أنه يستمر في مجال عمله مُكرهاً من أجل تحمله مسؤولية أبناء وزوجة وبيت، فهو بحاجة لراتبه الشهري ليستطيع أن يفي بمتطلبات الحياة، فيتحمل تلك الضغوطات من أجل لقمة العيش، مضيفاً أن ذلك ما يزود الضغوطات النفسية لدى الفرد؛ فشعوره بالمسؤولية يزيد من الضغط النفسي عليه فيخلق الاضطراب الكبير في مجال عمله لشعوره أنه مُضطر لتحمل عمل لا يجد نفسه من خلاله. وقال:»إن هذا النوع من الضغوطات النفسية التي يمر بها من يشعر بالظلم أو عدم تناسب عمله يتم التعاطي معها في العيادات النفسية عن طريق بعض الجلسات التي تساعده على أن يشعر بالتوافق مع نفسه ومع المهنة، خاصة حينما يكون من الصعب عليه أن يغير مجال عمله فإن التوافق مع الوظيفية هي أهم مرحلة في العلاج النفسي حتى لا يستمر في حالة اللاتوافق التي يشعر بها وبالتالي تؤدي إلى مشاكل نفسية كبيرة تؤدي إلى اضطرابات جسدية ذات بعد نفسي، منوهاً أن مثل هذا الموظف يكون عرضه لأخذ الإجازات المرضية الكثيرة والمتكررة. وأوضح أن السمات الشخصية للفرد هي من تحدد ردة الفعل لديه من الضغوطات التي يتعرض لها في مجال العمل؛ فهناك من الشخصيات من لديه قدرة كبيرة على التعامل مع الضغوط، إلاّ أن الإنسان الذي يعمل في مجال عمل يتعرض خلاله لضغوطات وظلم وعدم تحفيز يكون عرضه أكثر من غيره لضغوطات نفسية؛ لأنه حتى إن وجدت المقومات الشخصية على التحمل فإن تلك القدرات تضعف وذلك ما يحدث لمن يعمل في مجال يضطر أن يتعامل بشكل دائم مع الجمهور، فمن الممكن أن تبدر منه أخطاء لأنه يعمل وهو من الداخل يشعر بضغط الكبير جراء عدم حصوله على فرصته فيتكون لديه الشعور السلبي الذي يحس من خلاله أنه مهما عمل وقدم فإنه لن يجد من ينصف ذلك العمل، فتبدر منه الأخطاء نتيجة ضغوطاته النفسية فيتخذ مديره ضده إجراء يكون على حق فيه، منوهاً أن الشعور بالاضطهاد أو الظلم يولد الكثير من الضغوطات النفسية. وذكر أن هناك تمارين نفسية من الممكن أن تخفف من حدة ضغوطات الفرد النفسية بسبب شعوره بالظلم في عمله ومن أهمها تمارين الاسترخاء وهذه التمارين تساعد على تخفيض للطاقة الداخلية لديه، كما أن ممارسة الرياضة تساعد على التخفيف من الضغوطات النفسية، وكذلك تغير المكان في فترة الإجازة نهاية الأسبوع؛ لأن ذلك جميعاً يخفف من الضغوطات النفسية .