قرأت لأحد القراء في مجلة اليمامة اقتراحاً بإنشاء هيئة للترقية، تعنى بترقيات الموظفين. لا ألوم هذا القارئ لأنه انساق مع موجة تزف لنا الاقتراحات بشكل شبه يومي وكأنما أصبح إنشاء جهاز أو هيئة أو مؤسسة هو المفتاح السحري لحل المشكلات. موضوع الترقيات مثلاً هو من اختصاص وزارة الخدمة المدنية، واذا كانت هناك مشكلة فالحل لا يكون بإنشاء جهاز جديد لحلها وانما بتفعيل الجهاز القائم. وهذا المبدأ التنظيمي يصح ان يقال في المجالات الأخرى مثل الشؤون الثقافية، والبحوث وغيرهما. في الميدان الثقافي على سبيل المثال ما الذي يمنع أن يكون مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني نشاطاً يرتبط تنظيمياً بوزارة الثقافة والإعلام، وهل من الأفضل أن يستمر كجهاز منفصل، أم ينضم الى المنظومة الثقافية التي تشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام. الذين يقترحون عادة إنشاء أجهزة جديدة ينطلقون من قناعة بأن الجهاز الجديد عندما يتم انشاؤه سوف يركز على اختصاصات محددة ومحدودة وهذا سيؤدي الى اهتمام أكثر وفاعلية أكبر إلا أن المتحفظين يرون ان الجهاز الجديد يبدأ صغيراً ثم ينمو ويتحول الى جهاز بيروقراطي ضخم وبدلاً من تقديم الخدمات الموكلة اليه يصبح هذا الجهاز طالباً للخدمات، وتتحول أهدافه الى أهداف ذاتية، فيدور حول نفسه بعيداً عن الأهداف التي تأسس من أجلها! إن الازدواجية في التنظيم هي هدر للجهد والوقت والمال، ولكي نمنع هذه المشكلة يجب قبل التفكير في انشاء جهاز جديد، فحص الوضع الراهن فيما يتعلق بالاختصاصات وعلى ضوء ذلك يتم اتخاذ القرار التنظيمي المناسب إما بالدمج، أو الانشاء، أو تغيير القيادات الادارية. وقبل أن نقدم أي اقتراح تنظيمي أجد لزاماً علينا جميعاً وخاصة الجهات المكلفة بتطوير التنظيم وإعادة الهيكلة، مثل مجلس الشورى، واللجنة الوزارية للتنظيم، ان نلتزم بقراءة إجبارية لمهام ومسؤوليات كافة أجهزة الدولة بهدف تكوين صورة واقعية واضحة لما هو قائم، وما يحتاج الى تحديث، او تفعيل، او اعادة نظر! إن المعيار دائماً في عملية الفحص والتقييم يجب أن يكون في مدى تحقق الأهداف، وليس التنظيم سوى الادارة التي من خلالها تعمل الأجهزة على تحقيق أهدافها، ولهذا فإننا في عملية التقييم لابد أن نتأكد من موقع الخلل إذا كان هناك خلل وهل يكمن في التنظيم أو في شيء آخر. وما نلاحظه في الآونة الأخيرة ان أي مشكلة ادارية او مطلب اداري، يتجه فوراً الى الجانب الهيكلي للتنظيم ولا يلتفت الى الجوانب التنظيمية الأخرى مثل اسلوب العمل، وبيئة العمل، ونظام الرواتب والحوافز والترقيات .. الخ. يقال إن من أخطر أعراض التنظيم السيئ ظاهرة الدفع بعدم الاختصاص حيث يتم تحويل الموضوعات الى جهات أخرى تدفع بدورها بعدم الاختصاص حيث يستقر الأمر في ادارة أعلى والتي ربما تقوم بدورها بدفعه الى أعلى بحثاً عن قرار يحدد الجهة صاحبة الاختصاص. إذا حصل مثل هذا الوضع تتأخر الموضوعات وتتعطل القرارات، ويكثر تبادل الملامات بين الأجهزة. مناقشة هذه القضايا التنظيمية، هل هي من اختصاص اللجنة الوزارية للتنظيم أم من اختصاص مجلس الشورى؟. [email protected]