"أبو سالم" - رحمه الله - كان يعمل حارساً لإحدى آبار مياه الشرب في قريته ب "الأسياح" لحساب الشركة المشغلة، ضاق من رتابة العمل وتدني المرتب، عندها قرر الالتحاق بمدرسة محو الأمية، على أمل الحصول على شهادة المرحلة الابتدائية، التي كانت حينها تمنحه كرت العبور لاختيار أفضل الوظائف الحكومية، بدأ يتنقل من صف إلى آخر، ولكنه عندما وصل إلى السنة النهائية، الصف السادس، لم يتمكن من اجتيازها؛ لأن الأسئلة تُعد من قبل الوزارة، ويُشرف عليها لجنة رسمية من إدارة التربية والتعليم، وعاما بعد عام كان الإخفاق والرسوب هو النتيجة!. كانت عقدة "أبو سالم" مادة العلوم - الفيزياء والكيمياء - حيث لم يبق أمامه إلاّ اللجوء إلى أسلوب "البراشيم"، فحضر ذلك اليوم لأداء الاختبار، بعد ما نقل نصف الكتاب على ساقيه وفخذيه، ثم لبس ثوبا من قماش شفاف، يمكنه من قراءة العبارات والمعادلات المكتوبة على الجلد بقلم الحبر، ومع بدء الامتحان كانت الأمور ستسير على ما يرام، إلاّ أنه اضطر إلى تسليم الورقة مبكراً، مكتفياً بما استطاع نقله والخروج، حتى لا يكتشف أمره ويشطب اسمه عندما "ساح" الحبر؛ لأن الاختبار كان يؤدى نهاراً في الصيف من دون كهرباء، فذاب الحبر واصطبغت كل مقدمة ثوبه باللون الأزرق، لكنه من حسن الحظ كان قد نقل القدر الذي اجتاز به عقدة هذه المادة، وحصل في الأخير على الشهادة الابتدائية. وضع «البراشيم» في «الطاقية» و«الشماغ» و«الأكمام» و«السراويل»! قصة حقيقية تبين بعض أساليب الغش المتبع قديماً، ومنها أيضاً الكتابة على الأيدي والأرجل وكذلك على الأظفار، وكل أجزاء الجسم، أو على الكراسي المقابلة، أو الطاولات أو الجدران أو على الأقلام والمساطر، أو الأدوات المستخدمة في الامتحان مثل "الهندسة"، وهناك من كان يستخدم ملابسه في البراشيم مثل "الشماغ" و"الجاكيت" و"الأكمام" و"السراويل"، وكذلك باطن الأحذية أو الأرجل، وبعضهم يرتدي ثوبين يستخدم الثاني في نقل بعض الإجابات المتوقعة من الكتاب، وهذا الأخير قد ينقل عليه كتابا كاملا. عقاب «بعلم أبوك أنك تغش» ساعد المعلمين على تجاوز المشكلة طاقية وشبث ولعبت "الطاقية" دوراً كبيراً في مساعدة "الغشّاشين"، سواء الذين يخبئون تحتها بعض الوريقات والمطويات الصغيرة، فتدس وسط شعر الرأس أو يكتبون عليها من الداخل ما يشاءون، حيث كان كل شخص يكتب إجابة مختلفة عن زميله، ثم يتبادلونها أثناء سير الامتحان لسهولة تبادلها، ومن الممكن أن تدور إحدى الطواقي "الدسمة" الفصل كاملاً. ويتذكر أحد المعلمين القدامى قصة طلاب القرية التي كان يدرس بها ومعه بعض الإخوة العرب عام 1388ه، أثناء ما دخل أحد الطلبة ومعه "شبث" - نوع من العناكب الكبيرة - بطريقة خفية ثم أطلقه بالفصل أثناء أداء امتحان "مادة الجغرافيا" وهرب المراقب العربي، وعمت الفوضى، واستطاع الطلاب في ظرف عشر دقائق تقريباً أن يفتحوا الكتب وينقلوا بعض إجابات الأسئلة الواردة في الامتحان. {«طالب» يُثبت ورقة على «بالطو» المعلم و«الشلّة» تستمتع في نقل الإجابة ورقة البالطو وقصة طريفة أخرى حصلت معه شخصياً وهو يراقب امتحان "مادة الفقه" والوقت شتاءً، ويرتدي ملابس ثقيلة ومنها "بالطو" صوف طويل وثقيل، ولاحظ أن الطلاب بدأوا على غير العادة ينادون عليه ويطلبون إيضاح أو قراءة بعض الأسئلة المكتوبة بورقة الامتحان من دون مبرر، ويحاولون إطالة الوقت وترديد الأسئلة، مضيفاً: "كلما انتهيت من أسئلة طالب في مقدمة الفصل، طلبني آخر في نهاية الفصل، وهكذا بدأت أتنقل من دون سبب مقنع، وبعد أيام من ظهور النتائج كشف لي أحدهم أن طالباً عنده موهبة خفة اليد، علّق ورقة كاملة بدبوس على ظهر "البالطو" الذي ارتديه، كتب عليها العديد من الإجابات، وبدأت أتجول بها بينهم، وعرفت أنهم كانوا يحتالون علي للوقوف هنا وهناك ومشاغلتي، حتى يتمكن زملاؤهم في الخلف من قراءة ونقل الورقة، ثم نزعها الطالب بنفس الطريقة التي علقها"!. { «مشاغب» يخرج غاضباً ويفتح «مكبر الصوت» ويخبر زملاءه بالحل مكبر الصوت ومن طرائف الغش عندما عثر المراقب على أحد الطلاب الأشقياء وهو يغش، فسحب منه ورقة الاختبار وشطب نتيجته، ثم أخرجه، فتوجه الطالب إلى المسجد المجاور وهو يحمل الكتاب، وفتح مكبر الصوت وبدأ يتلو على زملائه في المدرسة كل الإجابات التي وردت في ورقة الاختبار!، وآخر كان طالباً في المدرسة الليلية وورد أحد الأسئلة الشفهية للمادة التي كانوا يختبرون بها ونص السؤال: كم هي أركان الإسلام؟، وعندما رأى أحد زملائه علامات الحيرة على وجه الطالب، رفع يده بطريقة خفية وفرد أصابع يده الخمسة، فأجاب بعد ما تنفس الصعداء قائلاً: "خمسين"!، ففرد زميله أصابع يده مرة أخرى فقال: آسف يا أستاذ أقصد "خمسمية"، وعندما لامه زميله لاحقاً وهو يؤكد له أن المقصود في إشارته خمسة قال: "المعلم مارضي بالخمسمية، وشلون تبغاه يرضى بالخمسة"!. طلاب يستمعون إلى تحذيرات المعلم من الغش ثقب في الجدار ومن حيل الطلاب عندما كانت المدارس تقام من طين و"شبابيك" الفصول على الشارع أو الفضاء من أجل التهوية، فكانوا يتواصلون عبر هذه "الشبابيك" كل ما حانت الفرصة، من أجل توصيل بعض المعلومات من الخارج، عندها تنبهت بعض المدارس ورفعوا الشبابيك إلى أعلى، لجأ الطلاب إلى إحداث ثقب صغير بالجدار على مستوى إذن الطالب، لا أحد يشعر بوجوده، يتفق مع صديق أو قريب من الخارج يتناقل معه همساً الأسئلة والإجابات. وبقي استخدام بعض هذه الأساليب إلى يومنا هذا، حتى مع توظيف وسائل التقنية الحديثة في غش الاختبارات، التي يصعب اكتشافها، وإذا ما تجاوزنا وسائل الاتصال اللاسلكية المعروفة، فهناك وسائل مصنعة لهذا الغرض، منها ساعة يد في شكلها واستخدامها، لا تلفت النظر، وتحت اسم أي ماركة ساعات معروفة، لكنها في الأصل "كمبيوتر" كامل، يحمل كل المعلومات التي يحتاجها الطالب على كرسي الامتحان، وتمده بما يريد. وهناك أيضاً في الوقت الحالي أقلام الكترونية ومساطر شفافة، وهناك "سماعات الكترونية" بحجم "بذرة العنب" أو "حبة الأرز"، تدخل في عمق الأذن مرتبطة بجهاز إرسال واستقبال مع شخص بعيد، كما يوجد نظّارة تبدو لك في شكلها الخارجي نظارة مثل كل النظارات، لكنها في حقيقة الأمر عبارة عن هاتف جوال يحتوي على شريحة اتصال وسماعة إرسال واستقبال!. الاختبارات تُعد هاجساً مخيفاً للطلاب ظاهرة سلبية والغش الذي انتشر في الآونة الأخيرة كظاهرة خطيرة يندرج تحت مفهوم العبقرية والذكاء، ويروج له كنوع من أنواع المهارة والتفاخر بالقدرات، يعده المجتمع الواعي مخالفة صارخة لنداء الضمير الحي، وسلوكا محرما ينطبق عليه نص الحديث الشريف: "من غشنا ليس منا"، ويتنافى مع كل المعايير الاجتماعية والاخلاقية، يعده التربيون ظاهرة سلبية تُهدد نظامنا التعليمي والتربوي بحاضره ومستقبله، ويرون ضرورة اخضاعه للدراسة والبحث لمعرفة الأسباب، والوصول إلى طرق العلاج قبل أن يتجاوز مراحل السيطرة، ويرون من أسباب العلاج نشر الوعي الديني والأخلاقي، وعدم التسامح مع المتجاوزين والمخالفين من قبل المجتمع. ويبقى الغش في حقيقته تصرف ينم عن ضعف في الشخصية، وفقدان الثقة في النفس والقدرات، بل وتكشف صاحبها عند المناقشات العلمية، خصوصاً إذا كانت في نفس التخصص، وأيضاً مخافة الطغيان على السلوك، عندما يستمر مع الشخص في كل ممارساته بالحياة الاجتماعية والعملية والمهنية، وعندما يحين وقت التطبيق الحقيقي، فينكشف المخزون ويظهر الإفلاس الحقيقي للشخص. طالب يكتب معلومات الرياضيات على أظفاره نظّارة حديثة عبارة عن هاتف جوّال وتستخدم في الاتصال بين الطلاب الغش في الاختبار وسيلة العاجز محل خدمات طالب : لا يوجد تصوير براشيم