تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر منذ الإعلان الرسمي عن الانتخابات التشريعية 10 مايو/ آيار المقبل إلى منابر حيوية للدعاية الانتخابية لم تعد معها الوسائل التقليدية التي يلجأ إليها عادة المترشحون للتعريف بأنفسهم تنفع لجذب اهتمام المنتخبين المحتملين على غرار الملصقات الإشهارية أو التجمعات الشعبية في بلد تشير تقديرات رسمية أن عدد مستخدمي الشبكة تجاوز ال 10 ملايين شخص. ولا يتوقف استعمال الانترنت وشبكاته للتواصل الاجتماعي على رأسها «فيسبوك» و»تويتر» على الراغبين في احتلال مقاعد البرلمان المقبل ممن رشحتهم أحزابهم في القوائم الانتخابية ولا يتوقف على الأحزاب السياسية التي قررت خوض غمار التشريعيات ولا على المترشحين الأحرار، بل وجد مناوئون للسلطة ودعاة المقاطعة في الانترنت سلاحا هاما لقصف خطاب السلطة المشجع على فعل الانتخاب وتشكيك الجزائريين في جدوى الذهاب إلى الصناديق. وتغري مقاعد البرلمان المقبل التي انتقلت من 389 مقعد إلى 462 بموجب التدابير الأخيرة التي أوعز إليها الرئيس بوتفليقة تغري مريديها باستعمال تكنولوجيات العصر لممارسة الإغراء على كتلة انتخابية تقدر ب 21 مليون ناخب، وهؤلاء صاروا يدركون سحر الجانب التفاعلي في وسائل الاتصال الحديثة على رأسها الانترنت وسارعوا فور الإعلان الرسمي عن موعد التشريعيات إلى دخول العالم الافتراضي بتدشين صفحات إلكترونية بها صور زعماء الأحزاب وبرامجهم السياسية وأجندة تجمعاتهم الشعبية بل ولجأ غالبية هؤلاء إلى استعمال «اليوتيوب» لنقل خطابات الزعماء ووعودهم الانتخابية ويحدث ذلك بشكل لافت مع الأحزاب الكبيرة على رأسها حزبي التحالف الرئاسي المدعم لبوتفليقة «جبهة التحرير الوطني» لزعيمها عبدالعزيز بلخادم الممثل الشخصيي للرئيس الجزائري و»التجمع الوطني الديمقراطي» لزعيمه أحمد أويحي الوزير الأول الحالي و»تحالف الجزائر الخضراء» الذي يجمع ثلاثة أحزاب إسلامية هامة على رأسها حركة مجتمع السلم (حمس). ولعل اللافت في الاستخدامات الواسعة للوسائط المتعددة خلال الحملة الانتخابية انخراط شباب جزائري في الدعوة إلى الانتخاب بدعوى أن الجزائر في حاجة إلى أصوات أبنائها وأن هؤلاء في حاجة إلى أمنها، وأن أمن هذه الأخيرة لن يتحقق دون انخراط فعلي لكل الجزائريين في الاستحقاق المقبل ولو بوضع ورقة بيضاء داخل الصناديق. وبرزت في الأفق الإلكتروني على شبكات التواصل الاجتماعي منتديات وصفحات ومجموعات يصعب حصرها ولا تعرف هوية الواقفين وراءها، بعضها يدعو إلى مقاطعة صريحة للانتخابات مثل مواقع المتعاطفين مع الحزب الإسلامي المحظور «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» أو نشطاء المعارضة، والبعض الآخر يحث الجزائريين صراحة أيضا للذهاب بقوة إلى مكاتب التصويت. وتتداول الأوساط المتتبعة لحركة النت هذه الأيام بقوة المجموعة الافتراضية المسمّاة «ألجيري سيمو» التي تّم إطلاقها على الفيسبوك منذ ما قبل إعلان الداخلية موعد التشريعيات، ولعل ما يمّيز «ألجيري سيمو» والكلمة بالإسبانية ومعناها «جزائري حتى النخاع» عن بقية ما هو مطروح على شبكات التواصل الاجتماعي رغبة الواقفين وراءها في أن يكونوا منبرا وسطا لكل أصوات الوطن، الموالية والمناوئة لفعل الانتخاب، ولقد نجحت «ألجيري سيمو» التي تلبس ألوان العلم الجزائري، الأبيض والأخضر والأحمر، وتسكته في كل الصور التي تتغذى بها الصفحة، نجحت في استقطاب قرابة 7 آلاف مشترك يتواصلون فيما بينهم باللغة التي يريدون، بالعربية والفرنسية والأمازيغية وفي غالب الأحيان بالعامية الجزائرية على اعتبار أن فئة المستهدفين شباب في مقتبل العمر تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 سنة. ويدفع الشعار الذي ترفعه «ألجيري سيمو» وهو «من أجل جبهة موحدة.. من أجل تغيير شعبي» منشطي المجموعة (community the) لأن يكونوا آذانا صاغية لكل الجزائريين الراغبين في التغيير، وتكشف «ألجيري سيمو» عن مفهومها للتغيير من خلال العبارة التي تعلو رأس الصفحة (لتكون الجزائر بعيدة عن كل «تخلاط»، نعم للتغيير، لكن على الطريقة الجزائرية، اليوم أو غدا، المستقبل بين أيدينا) ومعنى «التخلاط» والكلمة بالعامية، هو الصيد في الماء العكر. وتحاول المجموعة أن تلعب دور الوسيط بين دعاة المقاطعة والمشاركة لكنها تنتصر في الأخير للجزائر وحدها، ومعنى الانتصار للوطن، هو الدفع باتجاه زيادة إحساس الجزائريين بوطنيتهم، ملامسة الروح الوطنية فيهم بدفعهم إلى التعليق عن مواضيع تقترحها الصفحة للمناقشة أو التصويت على غرار «الانتخابات التشريعية في الجزائر» و»انتقادات الدول الغربية للدبلوماسية الجزائرية في موضوع ليبيا وسوريا» و «كيف نتعاون لإنقاذ الجزائر من كلاب فرنسا» وغيرها من المواضيع التي «يقيس» بها منشطو الصفحة درجة حب الجزائريين لبلدهم. وراحت مجموعة «ألجيري سيمو» أبعد من ذلك عندما عرضت صورة رأس الإرهاب في الجزائر عبد المالك درودكال المدعو أبو مصعب عبدالودود، زعيم القاعدة في بلاد المغرب مأخوذة من أحد المواقع الأصولية التابعة للتنظيم مكتوب عليها « قاطعوا الانتخابات»، ولم تتوقف تعاليق المشاركين تجاه هذه الصورة إلى حين تم استبدالها بصورة أخرى نقلت النقاش إلى اتجاه آخر ذي صلة بفعل الانتخاب، وعرفت المجموعة كيف ترصد وتجسّ ردة فعل الجزائريين تجاه دعوة القاعدة في المغرب إلى مقاطعة الانتخابات، حيث لم تخّيب تعاليق المشاركين توقعات منشطي الصفحة بعدما أخذ درودكال نصيبه من الشتم!! وكتب معظم المشاركين بالبنط العريض «أن كفانا دما، كفانا إرهابا، كفانا خرابا».