انتقلت الأحزاب الإسلامية في الجزائر من مرحلة الرّد على التخويف من فزّاعة الإسلاميين التي تطلقها التيارات السياسية المناوئة لها إلى مرحلة التنظيم الفعلي للصفوف الداخلية للتقدم إلى التشريعيات المقبلة المزمعة في 10 مايو / ايار المقبل بصوت واحد يعتقد ممثلو التيارات الإسلامية ان بإمكانه العصف بغالبية أصوات الوعاء الانتخابي الذي يتقاسمه الوطنيون و الديمقراطيون و المحافظون و الجمهوريون في حال جرت الانتخابات في أجواء تسودها الشفافية. ولا ترغب قيادات الأحزاب الإسلامية الكشف علنا عن خطتها المقبلة لخوض معركة النيابيات و تفضل التكتم على ما يدور في كواليس بيتها الداخلي لكن تسريبات وصلت الصحافة كشفت مؤخرا عن اجتماع لم يعلن عنه لوسائل الإعلام المحلية ضمّ قيادات ثلاثة أحزاب إسلامية لها وزنها في الساحة على رأسها حركة مجتمع السلم ( حمس ) لزعيمها أبو جرة سلطاني المنسحب مؤخرا من قطب التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة و حركتا النهضة لزعيمها فاتح ربيعي و الإصلاح الوطني لزعيمها حملاوي عكوشي. ورفض هؤلاء الكشف للصحافة عن خطتهم للمرحلة المقبلة مكرسين الغموض السائد حاليا بشأن ذهابهم المحتمل من عدمه نحو التشريعيات المقبلة بقوائم انتخابية مشتركة. وتترقب الساحة السياسية في الجزائر خروج هؤلاء عن صمتهم للإعلان رسميا عن ورقة التحالف التي تكون قد وقّعت خفية بين قيادات الأحزاب الثلاثة لتجنب أي ضجيج إعلامي قد يفسد أولى خطوات التجربة غير المسبوقة في تاريخ عمل الأحزاب الإسلامية في البلاد وهي التجربة التي رفض الانخراط فيها الشيخ عبد الله جاب الله ، الرقم المهم في التيار الإسلامي في الجزائر الذي أسس لنفسه حزبا إسلاميا جديدا تحت مسمّى « جبهة العدالة والتنمية « بعد انقلاب الرفقاء عليه داخل نفس الحزبين اللذين وجها إليه دعوة الانضمام إلى التحالف الإسلامي - أي حزبي النهضة و الإصلاح - , ويرى جاب الله مثلما أوضحه مؤخرا في مؤتمر صحفي أنه لم يعد يؤمن بتحالف الإسلاميين و أنه أصيب ب « اليأس بعدما جرّب منذ العام 1976 أكثر من ثلاثين تجربة لجمع الإسلاميين باءت كلها بالفشل « ومثل جاب الله يرفض القيادي المنشق عن حركة مجتمع السلم ( حمس ) عبد المجيد مناصرة زعيم الحزب الإسلامي الجديد أيضا « جبهة التغيير « الالتحاق بالمبادرة ليس لأنه يريد التغريد لوحده خارج السرب الإسلامي و لكن لأن الرجل تربطه عداوات قديمة مع رفيق الأمس أبو جرة سلطاني زعيم ( حمس ) و يرفض الجلوس معه حول مائدة واحدة بعد اتهامه بتحويل الحزب طيلة التسعينيات إلى بوق للسلطة. عبد الله جاب الله زعيم العدالة و التنمية ولا تلقى» مبادرة التكتل الإسلامي التي كان الحزب الإسلامي « حركة النهضة « قد دعا الأحزاب الإسلامية في الجزائر شهر يناير الماضي إلى الالتفاف حولها ، قصد تشكيل قطب إسلامي جزائري موحد ، يكون قادرا على التأثير في البرلمان المقبل و بالتالي التأثير في صياغة تعديل الدستور ، أولى المهام التي تنتظر نواب البرلمان التأسيسي المقبل ، لا تلقى الرواج المأمول على خلفية فشلها في استقطاب مختلف أطياف التيار الإسلامي في البلاد ، فضلا عن مواجهتها انتقادات الغرماء الذين يجدون صعوبة في التخلّص من عقدة الزعامة و مورث الحسابات الشخصية التي ما تزال تجهض كل محاولات الشراكة بين ممثلي التيار الإسلامي. وتستبق المبادرة التي أنهت المرحلة الأولى من التنسيق المشترك و المتعلق باتفاق القيادات الثلاثة رغم تكتّمها حول القوائم الموحدة في انتظار انتقاء أفضل المرشحين وتوزيعهم على القوائم ال 48 المشكلة لمحافظات البلاد ، تستبق دعوات لممثلي التيار الديمقراطي و الجمهوري اعتبرت التكتل طريقة مثلى لمواجهة الخطر الإسلامي المحتمل ، و لقد راحت الأصوات نفسها إلى حدّ دعوة الرئيس بوتفليقة بالتدخل لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب الإسلامية دون غيرها من الأحزاب التي تشكّل المشهد السياسي في البلاد بدعوى أن قيادات تلك الأحزاب ستبحث عن « قبلة جديدة « للحصول على التمويل الخارجي قبيل التشريعيات. عبد المجيد مناصرة زعيم جبهة التغيير و تندرج تلك الأصوات في إطار ما يمكن اعتبارها جبهة لا تسمّي نفسها ضد وصول الإسلاميين إلى السلطة بدأت تتشكّل في الجزائر منذ النتائج الهامة التي حققها التيار الإسلامي في دول الجوار ، في تونس و المغرب على وجه الخصوص و في مصر و ليبيا عموما . و لعل أهم ما يميز خطاب الفاعلين في هذه الجبهة الدعوة إلى قطع الطريق أمام الإسلاميين و منع وصولهم إلى الحكم ، بدعوى أن الشعب الجزائري سبق له و أن جرّب هؤلاء و أنه غير مستعد لتكرار مآسي العشرية السوداء علما أن غالبية منشطي هذه الجبهة ، التي ينخرط فيها زعماء أحزاب لم تعتمد رسميا بعد ، كانوا العام 1992 ممن بارك إيقاف المسار الانتخابي الذي فازت فيه « الجبهة الإسلامية للإنقاذ « المنحلّة و لم يمهلوها الوقت الكافي لممارسة السلطة بعدما زّج بنشطائها السجون و تفرق بقية المناضلين بين المنافي و الجبال.