قبل سنوات وذات محاضرة نقدية قال لنا البروفسورالسوري العالمي عبدرب النبي اصطيف استاذ النقد الحديث وهو يعلمنا «ألف باء النقد» في عبارة بسيطة وموجزة إن «النقد كالنقد» وكان يعني بذلك أن العملية النقدية هي اشبه ما تكون بالعملية المالية، فلو ابتعت شيئا ب «20 ريالا » وطلب منك البائع المبلغ فهل تزيد على ماطلب ام تكتفي باعطائه المبلغ نفسه، بالطبع فأنت لن تعطيه أي زيادة، وكذلك هو النقد حيث يجب ان تكون ممارستك له بحساب دقيق كما تفعل في حساباتك المالية . ٭ واذكر - تماما - أنه جرب معنا هذا الأمر في احدى الاختبارات حيث طلب منا ان نخضع نصا ما لعملية نقدية لا تزيد في كلماتها عن الخمسين كلمة، ولاننا كنا نرى أن بامكاننا ان نستعرض عضلاتنا النقدية انطلقنا بلا هوادة تدفعنا حماستنا وتجرنا أمزجتنا فملأنا الأوراق حتى لم يعد فيها مكان لتعليق منه، فإذا بالنتائج تبكي العيون وترفع عقيرتنا بالاحتجاج، فلم يطل ولم يزد، واكتفى بأن ذكرنا «ان النقد كالنقد». ٭ استحضرت هذه الحادثة وانا اقرأ عبارات الاشادة وموشحات المديح بحق المدرب الارجنتيني كالديرون في اعقاب اعلان تأهل منتخبنا لمونديال المانيا،وأعدت بشكل سريع شريط ذاكرتي الى شهور قليلة بل لاسابيع معدودة الى جملة من النقودات قرأناها وسمعناها تصف هذا المدرب بنعوت ليس أقلها انه مدرب متواضع الامكانات قليل الخبرة ضعيف الحيلة وأن بقاءه على رأس الهرم الفني لمنتخبنا الوطني من شأنه ان يدخل كرتنا في غيبوبة قد لا تخرج منها، ولم يسلم من هذا النقد عبد الله الدبل الذي كان خلف هذا التعاقد بل امتد نقدهم إلى أبواب اتحاد الكرة مطالبين بسرعة ترحيل المدرب واعادته من حيث أتى وظل الصراخ الذي يسمونه نقدا يزداد بهستيرية عبر حملات منظمة منذ العودة من « خليجي 17» وحتى جولة الذهاب في تصفيات المونديال ساعد على اشعال فتيلها الجاهزون للتطبيل. ٭ ولعل الغريب ان هذا الانقلاب الجذري في الطرح والتغير المعاكس في الخطاب حدث بين عشية وضحاها ليس لقناعة منهم في كالديرون الذي - بالطبع - لم يأت ليتعلم التدريب لدينا، وإنما لان اولئك يملكون من النقد المعلب ما يسمح لهم بتجهيزه في زمن قياسي كي يتقاسموا الحضور مع من دافعوا ونافحوا ليكون لهم نصيب في «كعكة التأهل»، فكالديرون الفاشل تحول فجاة الى داهية، وهو هنا بمثابة الصورة المقلوبة للبرازيلي كارلوس البرتو الذي حضر لنا في العام 1998 كمدرب عالمي ورحل وهو لا يفقه أبجديات التدريب . ٭ إن هذا المشهد السلبي لعملية النقد يتكرر لدينا في مناسبات عدة وفي حالات متشابهة وبصورة تزداد بشاعة بين حين وآخر، الى درجة صارت فيها مثل تلك النقودات لا تستقيم مع العقل والمنطق،، فمثلا هاهو كالديرون الذي جاء الينا حاملا تاريخاً رياضياً حافلاً يتقدمه طموح نحو اثبات الذات فإذا به يفاجأ بمن يسفهه ويمحو تاريخه بجرة قلم لمجرد انه لعب «بمهاجم واحد امام اليمن» مثلا، او حتى لمجرد اننا خسرنا بطولة ادخلناه فيها على طريقة «انت وضميرك»، وما حدث لكالديرون كان يمكن ان يحدث لأي مدرب آخر مهما كان اسمه ووزنه لسبب بسيط وهو ان البعض منا اعتاد على أن يضع العربة أمام الحصان من خلال أحكام مسبقة على طريقة « يا تصيب ياتخيب»، اما وقد قدم كالديرون لهم درساً عملياً، فعليهم الآن أن يقوموا بعملية ترتيب بسيطة لفكرهم وهي ان يضعوا العربة خلف الحصان لكن قبل ذلك لا بد لهم أن يبادروا للاعتذار لهذا المدرب الارجنتيني وان يتذكروا في المرات المقبلة أن «النقد كالنقد »!!. [email protected]