"المركزي الروسي" يخفض سعر صرف الروبل مقابل العملات الرئيسية    ماتياس: لهذا السبب استبعدت «فيرمينيو»    أكثر من 40 ألف مشارك من 100 دولة يجتمعون في ماراثون الرياض 2025    انخفاض درجات الحرارة ورياح نشطة مثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    نهر بلون الدم في الأرجنتين !    ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يخضع لوضع سوار إلكتروني لتعقب تحركاته    الأردن.. مقتل عائلة كاملة إثر استنشاق غاز مدفأة    تحويل منزل فيروز «القديم» متحفاً في لبنان    تراجع معدل الخصوبة في السعودية إلى 2.7    أمريكا: العثور على الطائرة المفقودة في ألاسكا ومقتل جميع ركابها    «فائق وشريفة»: رفع علم المملكة حلم لكل رياضي    «إيلون ماسك» يشارك تغريدة قائد فريق النصر    جون دوران يدخل تاريخ النصر    24 مليون مشاهدة تجسد تأثير كريستيانو رونالدو    ورشة التوعية برؤية واستراتيجية وزارة الموارد البشرية بالمدينة    الهلال يُحافظ على سالم الدوسري    على كأس خادم الحرمين الشريفين سباقات القدرة والتحمل العالمي في العُلا    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    "الأونروا" تؤكد تعرض سكان غزة لعملية تهجير ممنهجة    جوجل تضيف علامات مائية خفية للصور للكشف عن التعديلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي    ترودو يدعو إلى أخذ تهديد ترامب بضم كندا على «محمل الجد»    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    فعالية "حكاية شتاء" تجمع أكثر من 14,000 زائر في قاعة مكة الكبرى    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    إنجاز أكثر من 80% من مشروع الطريق الدائري الأوسط في الطائف    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    ضبط شخص في جازان لتهريبه (60) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر        فريق الوعي الصحي بجازان يشارك بمبادرة "سمعناكم" لذوي الإعاقة السمعية    «تعليم الرياض» يحصد 39 جائزة في «إبداع 2025»    تتويج السعودي آل جميان بلقب فارس المنكوس    درجات الحرارة الصفرية تؤدي لتجمد المياه في الأماكن المفتوحة بتبوك    وزير الصناعة يختتم زيارة رسمية إلى الهند    أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    "احمِ قلبك" تنطلق لتعزيز الوعي الصحي والتكفل بعلاج المرضى غير المقتدرين    خطبة المسجد النبوي: من رام في الدنيا حياةً خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    ملامح الزمن في ريشة زيدان: رحلة فنية عبر الماضي والحاضر والمستقبل    «الشورى» يوافق على 5 مذكرات تفاهم مع دول شقيقة وصديقة    «حصوة وكرة غولف» في بطنك !    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    ما العلاقة بين لقاحات كورونا وصحة القلب ؟    أضرار الأشعة فوق البنفسجية من النافذة    الأردن: إخلاء 68 شخصاً حاصرهم الغبار في «معان»    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    كيف كنا وكيف أصبحنا    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنا الدور الرئيسي.. والأبراج العاجية.. وأصوات الظاهرة صنيعة مهرجين!
مثقفون عرب يصفون دور (المثقف) وما بعد مرحلة الربيع العربي..
نشر في الرياض يوم 01 - 03 - 2012

20% نسبة المثقفين (الحقيقيين) من عامة المثقفين الذين يظهرون في وسائل الإعلام المختلفة إذاعة وصحافة وتلفزيون فيما يتعلق بأصحاب هذا الظهور من (الأكاديميين) تحديدا.. أما 80% منهم فوجودهم بحث عن الشهرة من خلال (الشهرة الثقافية) لعدم تحقيقهم الشهرة التي ينشدونها في تخصصاتهم الأكاديمية!
د. ابن حميش: المثقف مهد للثورات العربية من خلال ما كتبه عن البؤس العربي
هذه من آخر الإحصاءات التي أوردها أحد الباحثين في دراسته للمثقفين والمجتمع، من منظور (الأكاديمي/ مثقفا) و (المجتمع/مستهلكا) للثقافة التي تنتجها النخب الثقافية، وخاصة في ظلال (الأزمات) هذا ما يخص شريحة الأكاديميين، الأمر الذي يعيد السؤال نفسه إلى كل شريحة اجتماعية لمعرفة ما يمكن أن تشكله النسبة الحقيقية منهم على الخارطة الثقافية... الأمر الذي يعيد السؤال مرة أخرى من المثقف إلى واقع الدور الذي قدمه المثقف العربي في موسم الربيع العربي، الذي لما يزل محل أنظار العالم أجمع.. والعالم العربي تحديدا بمختلف أقطاره في القارتين الأسيوافريقية.. ومع ما يثار من جدليات حول المحركات الحقيقية للربيع العربي.. ومع ما يقابلها من جدليات في دور المثقف العربي في هذا الربيع، إلا أن الأنظار تتجه المثقف الذي يمتلك ثقافة علمية وإسهاما ثقافيا يتميز به عن غيره عن سائر شرائح المثقفين الذين يحيوهم هذا المصطلح.. عطفا على وجود الثقافة لكل إنسان، والتفكير الذي يشترك فيه البشر باختلاف مستوياتهم.. ليظل صاحب الثقافة الإبداعية في مجالات الفكر و(الإبداع) الثقافي عامة و(الأدبي) بوجه خاص رؤية تطرق من خلالها (ثقافة اليوم) البحث في واقع المثقفين من هذا المنظور في خارطة الربيع العربي، ومدى إسهامهم في هذا الفصل العربي بكل تحولاته.. ولرصد ما يمكن أن يسفر عنه الربيع العربي (ثقافيا) إلى جانب ما يشهده من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية.
د. بابكر: الربيع العربي إجابات اشتركت فيها الشعوب لأسئلة طرحها المثقفون
مثقفون عرب انطلقوا في حديثهم عن هذا الدور من أهمية الوعي بمفهوم المثقف الذين قصدوا به الحقيقي تارة والخبير في الثقافة تارة أخرى.. مؤكدين على أن المثقف العربي المعاصر عاش ربيع عالمه العربي، كما عاش آخرون عبر تاريخنا العربي أدوارا ثقافية على عدة مستويات.. واصفين الآراء التي وصفت المثقف بالغياب ونسبة حراك الربيع العربي إلى مجرد تقنية الشبكات الاجتماعية ومستخدميها من عامة الشعوب، بأن لم يكن منصفا، لكون المثقف أحد المتحركين بفاعلية داخل شرائح المجتمع المختلفة من جانب، ولما لعبه من دور فاعل في هذا الربيع على عدة مستويات من جانب آخر.. مؤكدين على أهمية عدم احتساب ما وصفوه بظاهرة المهرجين في وسائل الإعلام على المثقفين الحقيقيين ودورهم في مشهد الربيع العربي.. رافضين أن تستبدل فكرة انتقال المثقف من برجه العاجي إلى ما وصف به دور المثقف في هذا الفصل بأنه مجرد لون لظاهرة صوتية.
تحدث بداية عن هذا الدور وزير الثقافة والإعلام المغربي السابق الدكتور بنسالم بن حميش، عمن يصف دورا للمثقف العربي الحقيقي بأنه خارج الإطار الشعبوي قال ابن حميش: العملية لا يمكن في كل حال التسليم بها هكذا بشكل مطلق لأن هذه الرؤية ستكون من قبيل الأقاويل جزافا، لأننا إذا ما استعرضنا خارطة الربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر وسوريا وغيرها من البلدان العربية، سنجد أنفسنا أمام الأخذ بمقولة إقصاء المثقف عما يحدث بأن نعتبرهم كلهم (أميين) ولا وجود للمثقفين بينهم.
وأضاف د.بنسالم بأن دور المثقف على اقل الاحتمالات تقديرا يأتي من قبيل الثقافة التي يحملها خريجو الجامعات والكليات والمعاهد العليا وما شاكلها كشريحة مشاركة وحاضرة بشكل بارز في هذا الربيع، الأمر الذي يجعلهم أرباب ثقافة من هذه الناحية من جانب، ولكونهم من جانب آخر قالوا اللحظة المواتية لفعل التغيير لكي يطووا من خلال رؤيتهم الثقافية صفحات من الظلم والاستبداد، ومن ثم الإسهام في صناعة مرحلة الحرية والانعتاق من جانب آخر.. مشيرا إلى أن المقولات الشعب يريد كذا.. وكذا.. فهم الشعب بما فيه من مستويات الثقافة التي يأتي منها المثقف النخبوي.
وأضاف د. ابن حميش قائلا: مما أسلفت ففي اعتقادي بأنه لا يلزم أن نقول: المثقفون غائبون، أو المثقفون لا يفعلون شيئا، لأنني أعتقد – في رأيي – بأن هذه الثورات لم تنطلق من لا شيء، وإنما مهد لها، من طرف كل من كتب الرواية وأظهر بؤوس الشعب ومعاناته – على سبيل المثال – حيث جاءت كتابات الفنون في مختلف أجناسها الأدبية الشعر منها والنثر، بمثابة الإرهاصات الحقيقية، والخميرة التي حوت كل مشاهد الثورة العربية.
أما عما يؤمله د. بنسالم عن الدور الفاعل للمثقفين في تشكيل ربيعهم العربي بما يمكن وصفه على وجه (الحقيقة) بالربيع العربي فأشار إلى أن الربيع العربي ربيع له محدداته الشعبية التي ما تزال تهتف بها شعوبه، وله مطالبه على مستويات مختلفة يأتي في مقدمتها المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. مؤكد د. حميش على أن مطلبه بوصفه مثقفا عربيا أن يصبح الربيع العربي ربيعا (ثقافيا) بالدرجة الأولى، عطفا على المطالب الثقافية التي يرى بنسالم بأنها تنطلق من المطالبة بالرفع من مستوى التعليم في الجامعات العربية، وفي مستويات التعليم المختلفة، وأن يكون ربيعا قادرا في هذه المرحلة أن يفجر الطاقات الإبداعية لدى الشاب العربي، وان يزيد من جذوة تألق المبدعين العرب ورواد الثقافة في الأوطان العربية التي تناشد ربيعها العربي.
د. نصر الدين: حال المهرجون في الإعلام دون سماع صوت المثقف الخبير
ومضى د. بنسالم في حديثه مؤكدا على أن ما ينشده المثقفون من الربيع العربي اليوم هو تحقيق الطفرة الإبداعية، طفرة (حقيقية) قادرة على أن تجعل من المثقف العربي مؤهلاً لاستخدام وتبوء المكانة التي ترجع إلى المشهد العربي تألقا له مكانته الإبداعية على صعيد الدول ذاتها من جانب وعلى المستوى العالمي من جانب آخر.
أما عن البعد (المتماهي) بين من يجرد السياسة من الثقافة.. وبين من يجرد الثقافة من السياسة بوصفها علاقة تتخذ تضادا لدى شريحة من المثقفين عند ربطها بالربيع العربي، أشار د. حميش بأنه يكفي من الشواهد عبر التاريخ العالمي بوجه عام وتاريخنا العربي بما شكله تلازم الثقافة بالسياسة.. مستعرضا العديد من الأمثلة التي يمثلها في التاريخ العالمي أرسطو الذي كان في الحزب المقدوني، وابن خلدون كان سفيرا وكاتبا ومؤرخا في تاريخنا العربي، ولسان الدين الخطيب سياسي ترك لنا تراثا أدبيا ضخما والذي كان يلقب بذي الوزارتين.. مختتما حديثه في هذا السياق بأنه لا يمكن أن تتخذ هذه الرؤية أداة لإضعاف دور المثقف العربي فيما يريد أن يحققه من تغييرات على عدة أصعدة منها الصعيد السياسي، لكون الثقافة والسياسة لا تناقض بينهما، لأنه لا يمكن القول إذا ما سلمنا بمقولة من يتبنى مثل هذه الأفكار التي مفادها (المثقف لا يصلح للسياسة) لأن أصحاب هذا الرأي وكأنهم يرون بالضرورة إما أن تكون سياسيا أو أن تكون مثقفا.. إلا أن من يختار الثقافة كحرفة ومهنة دون غيرها، تظل حرية خاصة أراد أن يمارسها المثقف دون غيرها، إلا أن المثقف – أيضا – إذ قيض له ممارسة الدور السياسي فإن هذا مما لا تضاد فيه ولا عجز أحدهما عن الآخر.
كما وصف الدكتور بابكر ساحب السفير السابق السنغالي، مرحلة الربيع العربي، من خلال ما تتباين فيه تفاصيلها من بلد عربي إلى آخر، كما هو الحال – مثلا – في المقارنة بين حراك الربيع العربي بين دولتي تونس وليبيا، مشيرا إلى أن الربيع العربي انطلق من حملات شعبية ربما اتسم بعضها بالعشوائية، إلا أن المثقف كان حاضرا وفاعلا في حراك هذا الربيع بوصفه من الشعب سواء أكان أستاذا جامعيا أم محاميا أم اتحاد كتاب أم منظمات ثقافية أم غير ذلك والذين شاركوا بشكل واضح في هذا الربيع.
د. أبو بكر: سيصعد المثقفون المهمشون.. عبر اختلاف مفاهيم هذه المرحلة
وقال د. بابكر: إذا ما رجعنا من خلال تداعيات الربيع العربي إلى القرون السابقة فسنجد الأمثلة كثيرة على الدور الفاعل للمثقف الذي يمثله مؤلفات المثقفين، فما كتبه الكواكبي في القرن التاسع عشر، أو ما كتبه المفكرون في العصر الحديث كمحمد عابد الجابري وغيره، فإننا نجد امتدادا لدور المثقف يتخذ أشكالا معينة إلا أنه دائما ما يؤكد وجود المثقف بشكل أو بآخر.. فما يحدث اليوم في العالم العربي هو إجابات على أسئلة كانت تطرح بشكل مؤثر من قبل المثقفين أجابوا عليها بالشراكة مع شعوبهم، ومن هنا فعلى المثقف العربي دور كبير لمواصلة حضوره في هذا التغيير من خلال دراسة ما يحدث واستشراف مستقبله دون الانتظار لتدخل خارجي يضعه في إطار يصنعه له بأدواته الخاصة التي لم تكن من صنيعة المثقفين العرب.
وأضاف د. ساحب، بأن دور (المقنع) للمثقف العربي ليسهم بشكل فاعل في مسيرة تحولات الربيع العربي، بأنها لا يمكن أن تأتي إلا من المثقف الحقيقي الذي استطاع أن يكون له فاعلية في تحريك رياح هذا التغيير، الأمر الذي يجعل من المثقف الذي ينتمي لمصلحة الشعب الذي يعد واحدا من أفراده ومن ثم التضحية في سبيل ما يتبناه من أدوار ثقافية قادرة على التأثير ومن ثم التغيير، فالمثقف الحقيقي – أيضا – مثقف متحرر من القيود والسيطرة التي قد تحيط به سواء لظروف سياسية معينة، أو لبريق مادي لا يمثل قيم الثقافة الحقيقية، الأمر الذي سيجعل من صوته مسموعا ومن دوره التنويري مقنعا.
من جانب آخر استهل الدكتور إبراهيم نصرالدين من مصر حديثه عن دور المثقف، من خلال المكان الذي يشغله في خارطة الربيع العربي.. بأننا يجب أن ننظر إلى حضور المثقف من خلال الربيع العربي عبر بوابة تحديد المثقف، ومن ثم القصد فيما نعني بالمثقف تحديدا، معيدا الإشكالية في هذه القضية إلى حدوث سطو في المشهد العربي على جانبين، يتمثلان فيما وصفه بالسطو على تخصصين من غير المتخصصين أولهما السطو على التخصص في مجال العلوم الشرعية، أما الثاني فالسطو على التخصص في العلوم السياسية.. بعيدا عن التمحيص لذا نجد كثرة الخبراء في هذين التخصصين لمن لا يملكون أدنى مستويات الخبرة أو المعرفة في هذين المجالين مما أوجد صورا مضللة لدى عامة الجماهير في الشارع العربي، مما جعل من دور المثقف الخبير والسياسي الخبير دورا لا يشكل حضورا جيدا أو يكاد يكون مهمشا فيما هو سائد فيما يشاهد في عدة دول عربية ضمن سياقات الربيع العربي.
وقال د. نصرالدين: في رأيي أن من حرك الثورات العربية هم (الخبراء في الثقافة) وليس الصحافة أو الإعلام بوجه عام، وإنما حركها الخبراء من طرف خفي، لأني أتصور أن مهمة الخبير في الثقافة ليست مهمته أن يخرج عبر وسائل الإعلام ليتحدث إلى الجماهير، فعلى سبيل المثال إن أخذنا الخبير المثقف في إطار التعليم الجامعي، فسيكون لديه من طلابه من يحركهم في هذا السياق، ليتحول كل منهم إلى مؤثر في رفاق آخرين، وهذا ما حدث في الشارع العربي الذي شهد ثورات الربيع العربي، وهو عكس ما يظن أن المحلل والمختص في الشأن كذا.. أو أن نقول في مقابل هذا القناة التلفزيونية هي التي فعلت ذاك، أو صحيفة كذا هي التي فعلت ذلك، لأنني هنا أقول علينا أن نرجع إلى أصحاب الظهور الإعلامي ونسأل: من هم؟ سنجدهم لا يمثلون المثقفين النخبة الخبراء، لكون هؤلاء تراجعوا عن الظهور للمتابعة والمراقبة عن بعد، فهم ليسوا – أيضا – على استعداد للدخول في هذه الدوامة التي يسودها – وبكل أسف – حالة من الفوضى، لأن لديهم في نهاية المطاف فكرهم ورؤاهم التي لا بد وأن يأتي الوقت لتنفيذها وتطبيقها في إطار النظم السياسية عربيا.
وعن أمل د. نصر الدين، فيما يعوله على الخبراء في الثقافة بوصفهم ذوي اختصاص وخبرة ورؤية واسعة عميقة، فيما يحدث من بعد ثقافي.. وصف د.نصر الدين بأن حضور المثقف ودوره في المشهد العربي متناميا رغم ما يحدث ضمن حراك هذا الربيع، مما وصفه في الإعلام العربي بوجه عام بظهور المهرجين عبر وسائل الإعلام من جانب، وردم الفراغات في العديد من وسائل الإعلام العربي من جانب آخر، والتي تريد أن تقنع الجماهير بأنها تقدم لهم ذوي الاختصاص في الثقافة أو في السياسة إلا أن الزبد يذهب جفاء وسيبقى ما ينفع الناس.
كما تحدث عن موقع المثقف في سياقات حراك الربيع العربي الدكتور صالح أبو بكر من تشاد، الذي استهل حديثه من حيث الرؤية إلى مفهوم الربيع العربي، الذي يرى بأنه وإن كان عربيا، إلا أنه ربيع تترقبه عيون العالم أجمع، إذ لم تعد سياقات ربيع العرب محصورة في إطار عالمهم العربي، وإنما يشهد هذا الربع متابعة عالمية في ظل العولمة الثقافية والفضاء العالمي المفتوح، مما جعل المثقف العربي يتابع حراك هذا الربيع ويدقق في تفاصيله من بلد إلى آخر، في ظل ما يحظى به – أيضا – هذا الربيع من متابعة عامة الشعوب العربية.
وقال د: استطاع الربيع العربي أن يستأثر بنصيب المتابعة العالمية اليوم، وذلك على عدة مستويات، بدءا بانطلاقته، وحيثيات تلك الانطلاقة من قطر عربي إلى آخر، والعوامل الأساسية والمقومات التي أنتجت هذه المرحلة العربية، والتي في – رأيي – ما تزال محل جدليات في تحديدها بشكل دقيق، إلا أنها جاءت تلك الأحداث العربية في إطار ربيعي عام يصف المشهد العربي الذي ما زلنا نتابع مستجداته حتى هذه الساعة، إلا أننا مع إشكالية وجدلية أخرى عندما ننظر إلى هذا الربيع من بعدي الإيجابيات والسلبيات، لنجد جدلا وخلافا من نوع آخر في هذا السياق على مختلف درجات المثقفين وصولا إلى النخبة منهم.
وأضاف د. أبو بكر بأن هناك من يشير إلى تدخلات خارجية في تحريك الربيع العربي، كما نجد في المقابل من يرفض وجود تدخل خارجي، إذ تأتي المسألة هنا من قبيل مقولة (بيدي لا بيد عمرو) أو من قبيل القاعدة الفقهية (الضرورات تبح المحظورات) مع أن هناك من هؤلاء من يرفض في الوقت ذاته لما هو قائم من مجريات هذا الربيع.. مشيرا إلى أن الربيع العربي وإن لم يمتد بشكل متسع في القارة الإفريقية إلا أن الربيع العربي كان له امتداداته آسيويا وإفريقيا وعالميا بوجه عام من خلال ما أحدثه من ترقب ومتابعة وتأثير وتحريك للرؤى المختلفة على عدة مستويات وعلى مسمع ومشهد من كافة الشعوب الإفريقية تحديدا والعالمية عموما، وخاصة في الدول الإفريقية التي تقع في خط تماس مع الأحداث أو البلدان الإفريقية التي تعد اللغة العربية هي اللغة السائدة فيها.
أما عن المتوقع في مزيد من الامتدادات للربيع العربي عبر البعد (الثقافي) عربيا فوصف د. أبو بكر، بأن اكتساب التجارب من الآخرين مما هو سائد في الثقافات، ومن هنا فالتجارب العربية كما أشرت سالفا مراقبة على المستوى الشعبي وعلى المستوى السياسي وتطوراتها أمام مشهد ومسمع من كلا الجانبين، ومن هنا نجد أن هناك نوعا من التأثر على المستوى السياسي – على سيبل المثال – من خلال الاحتياطات التي بادرت بها بعض القيادات العربية، والتي يمكن وصفها باستراتيجيات استباقية، سعيا منها إلى احتواء مثل هذا التأثر سلبا ومن ثم احتواء مجرياته في مهدها سواء في دول من آسيا أو أخرى من إفريقيا.
أما عن مجريات أحداث الربيع العربي وحدوث ما يمكن وصفه بمرحلة (إنصات) للمثقف الحقيقي، فأشار د. صالح بأن الرؤية في مجملها من خلال بعدها الثقافي تغلب عليها الرؤية الإيجابية، وخاصة عندما تقارن بمرحلة ما قبل الربيع العربي التي تعد مرحلة عصيبة وتكشفت ملامحها عندما هبت رياح التغيير عبر هذا الربيع.. مختتما حديثه بأن الإنصات يفترض الوصول إلى مرحلة متقدمة من الوصول إلى حلول يشارك بها المثقفون، إلا أنها وإن كانت كما يبدو سيطول الوصول إلى مرحلة من هذا النوع في عدد من الدول العربية، إلا أنني أرى في الوقت ذاته بأن الأفق نير، وهذا ما لمسته في عدة دول من خلال ما شاهدته وسمعته ممن التقيت بهم في تلك الأقطار، إلا أن التغيير عبر هذا الربيع يحتاج إلى وقت، وخاصة أن الربيع العربي لا بد وأن يمر في مختلف مستوياته الثقافية والسياسية والاقتصادية بتغيير جذري، مما سيفرض مزيدا من الوقت، ومن هنا تأتي مرحلة المتابعة والتقييم وتقديم الآراء الثقافية التي هي بحاجة إلى المزيد من التأني في الحكم على مثل هذه التحولات التي تتطلب وقتا طويلا.. إلا أنه وعبر هذه التحولات الربيعية لا بد وأن يظهر من خلالها المثقف الذي كان مهمشا، والذي جاء الوقت ليصعد من خلال اختلاف المفاهيم التي كانت تقصيه عن الدور الإيجابي والفعل الثقافي الحقيقي، أو أبعدته عن صدارة مستحقة، الأمر الذي يجعل من هذا الربيع من خلال هذا المنظور حلا لما يمكن أن أسميه بالبطالة الثقافية المقنعة في العالم العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.