رجال عاشوا عقوداً يعملون في وظائف توصف بالهامشية ، يخصص لها مكاتب منزوية في أطراف المؤسسات والشركات ، يعتقد أصحاب الأعمال أنها وظائف تقترب من مهنة المراسل ، لكنها تُجمل بمسمى وظيفة مُعقب ، ويسمى ممتهنوها "معقبون"، شيئاً فشيئاً بدأ التهميش يلقي بظلاله على أولئك الرجال ، فما لبثوا حتى بدأت تظهر على جُلهم الصعلكة وشيء من الانفلات ، فقد كان المعقبون منذ عهد قريب من أكثر شرائح الموظفين فوضوية ، وأبرز ما يميزهم هو عدم الالتزام بالمواعيد ، ربما كانت المهنة في تلك المرحلة مهنة من لا مهنة له بالفعل ، لكنها اليوم تقفز بهم إلى مقدمة المهن في سلالم الرواتب في الشركات والمؤسسات الكبيرة ..قد لا يكون مع أحدهم مؤهل يتجاوز الثانوية ، لكنه يتقاضى راتباً يتجاوز ال 15000 ريال ، وربما سيارة ، وبعض الامتيازات الأخرى . المعقبون اليوم رجال قادرون على الاختراق وحسم الأمور تجاه كثير من المعاملات في دوامة الروتين والتعقيد في أغلب الدوائر ، هذه القدرة على الحسم والتي لها انعكاساتها الإيجابية على قطاع الأعمال تدفع الشركات اليوم لتقديم الامتيازات الاستثنائية لأبرزهم . ترى ما الذي قفز بمهنة المعقب لأن تنال كل هذه المكانة ، وأن يحظى المعقبون بكل تلك المميزات الاستثنائية ؟ بندر العصيمي مؤسس موقع اتحاد المعقبين يقول إن مهنة التعقيب تطورت كثيراً في الآونة الأخيرة ، ونضجت في ظل امتهان رجال لها تخصصوا فيها بشكل خلق لديهم ثقافة التعاطي مع الأنظمة والتشريعات المعمول بها في الدوائر الحكومية المختلفة ، وأشار إلى أن تخليص المعاملات من تلك الدوائر عملية ليست بالسهلة في ظل البيروقراطية والروتين ، وكثرة الجهات التي يجب أن تمر بها معاملة واحدة . وقال إن معاملة استقدام مثلاً قد تمر على سبع دوائر حكومية ذات علاقة حتى تُنجز ، وأشار إلى أن المعقبين في السابق كان ينظر إليهم بأنهم فوضويون ، وغير ملتزمين ، وغير منجزين ، وذلك لأن المعقبين كانوا في تلك المرحلة غير مدركين لمدى تشعب الأنظمة ، ولم يتعاملوا معها بالشكل السليم . وأكد أن المعقب اليوم أصبح أكثر فهماً للأنظمة ، وأكثر قدرة على الإنجاز ، وذلك من خلال معرفته بما يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند الحاجة لإنجاز معاملة ما ، فحين تأتي هذه المعاملة وقد اكتملت جميع أوراقها ، فإن الموظف في نهاية الأمر سوف ينجزها. وأشار إلى أن أهم العوامل التي أضرت بالمعقبين في الماضي كان عدم إلمامهم بمتطلبات إجراء إنهاء المعاملات ، مؤكداً أنه في حالة عدم فهم احتياجات إنجاز معاملة فإن المعقب قد يذهب لنفس الدائرة مرتين وثلاث ، وكل مرة يكتشف أنه يحتاج إلى ورقة أخرى . وشدد العصيمي على أن رواتب المعقبين اليوم هي نتيجة طبيعية لتطوير قدراتهم ، وتثقيف أنفسهم بكل ما يتطلبه عملهم من خلال فهم للأنظمة والتشريعات..وأشار إلى أن رواتب المعقبين اليوم تبدأ ب3000ريال للمبتدئ وتنتهي بعشرين ألفاً للمحترف الذي يتمتع بخبرة كبيرة وقدرة على الإنجاز. وقال إن الشركات تدفع رواتب للمعقبين المتميزين تصل إلى 15000، و20000 ريال وذلك لأهمية إنجاز معاملاتها بشكل سريع ،وأعترف إن دورة الروتين والبيروقراطية في الدوائر الحكومية ، وكثرة متطلبات إنهاء إجراء المعاملات هي التي عززت من مكانة المعقب ، وفرضت ارتفاع رواتبهم. في الوقت ذاته استعبد أن يكون الفساد والرشوة أحد سلاح المعقبين في إنجاز معاملاتهم..وشدد على أن المعاملة المكتملة سوف تنتهي متى ما وجد الموظف الحكومي أنها مشتملة على جميع الأوراق والاحتياجات المطلوبة.