«إذا كنت تحلم بثراء بسرعة الصاروخ فعليك بمهنة من لا مهنة له وهي التعقيب».. مقولة يرددها كثير من الناس ولعلها تلامس الواقع، فأصحاب هذه المهنة يملكون «الجلادة» الخارقة أمام سطوة البيروقراطية الإدارية في المصالح الحكومية، ولا يجاريهم في ذلك سوى المحامين الذين ضاقوا ذرعا بفلول المعقبين الذين يسابقونهم على الزبائن وبأسعار زهيدة حتى خشي بعض المحامين من كساد سوقهم. بسبب ذلك تشتعل حرب شرسة تدور رحاها صباح كل يوم جديد أمام الدوائر الحكومية بين المحامي المتخصص في علم الشريعة والقانون والمصرح له رسميا من السلطة القضائية والمعقب الذي لا يشترط لدخوله هذه المهنة سوى فك الخط والكتابة وشيء من الأناقة والإتيكيت والمصطلحات القانونية، وإن لزم الأمر فمشلح على ساعده الأيسر. المواطن فهد الحربي مراجع لإحدى المحاكم أشار بألم إلى أنه هرب من جحيم غلاء أسعار المحامين ووقع في فخ معقب «أردت التقدم بدعوى ضد أحد الأشخاص وطلبت المحكمة مني كتابة صحيفة الدعوى بنفسي، ولجهلي بذلك ذهبت لأحد المحامين فطلب مني مبلغ 500 ريال فقط لمجرد الكتابة دون المرافعة فرفضت ذلك وبعدها توجهت لأحد المعقبين القابعين أمام بوابة المحكمة فكتب لي صحيفة الدعوى مقابل 300 ريال ورفضت المحكمة قبولها لسوء كتابتها ومخالفتها للأنظمة، وعند عودتي للمعقب لأخبره بالملاحظات لم أجد له أثرا!!». وتشير «أمل.ح» أحد ضحايا محامي الغفلة، كما تقول، إلى جهل المعقبين بالقضايا الفقهية: «وكلت أحد المعقبين للترافع في قضيتي أمام زوجي، حيث كتب الدعوى مطالبا بالطلاق، وطلقنا القاضي على أن أعوض الزوج وأرد المهر إليه، وحينها علمت من أحد المحامين أنه كان علي تقديم دعوى الخلع ضد زوجي لكي يحكم القاضي بالفسخ دون أن أدفع ريالا واحدا لأن أسباب طلبي للخلع هو قيام طليقي بأمور حرمها الشرع وهذا يكفل لي حقوقي بعدم رد المهر». أما «فيصل. ن» فأبدى تذمره من أحد الدعوجية عندما وكله للمطالبة بمبلغ مالي، فقدم الوكيل الدعوى بطلب إثبات المبلغ «بعد شهور من تعدد الجلسات والمواعيد حكم القاضي بإثبات المبلغ، واتضح أن الصك الصادر مجرد إثبات فقط وغير ملزم بالدفع وللمطالبة بدفع المبلغ علينا تقديم دعوى أخرى لذلك - كما نص نظام المرافعات الشرعية - وعليه فسوف أرفع دعوى مرة أخرى بنفسي، وأسأل الله أن يعوضني خيرا فيما دفعته للمعقب دون جدوى». مرافعة على الهواء «منصور.س» أحد خريجي قسم الإدارة في الكلية التقنية ويعمل في مهنة التعقيب، أشار إلى أنه ومنذ تخرجه في الكلية لم يجد فرصة للعمل ووجد ضالته في التعقيب، حيث حظي بثقة أقاربه أولا بالتوكل عنهم وتخليص معاملاتهم في كافة القطاعات الحكومية بالقصيم ثم أخذت سمعته تنتشر حتى بات اسمه لامعا في هذا المجال بالمنطقة. وحول المطالبة بقصر الترافع والتوكل عن الآخرين على المحامين «أعتقد أن ذلك فيه قطع لأرزاق الكثيرين وأنا أحدهم، والحقيقة أن لا أحد باستطاعته منعي من التوكل عن أقاربي على الأقل فنظام المحاكم يسمح بذلك». ويرد المحامي المشوح على المعقب منصور «حكاية قطع الأرزاق ليست صحيحة، فهل منعنا للرجل غير المؤهل من ممارسة الطب فيه قطع لرزقه؟ بالتأكيد كلا، بل هو حماية للمهن الشريفة وإسناد الأمر لذوي التخصص، وقطع الأرزاق يتمثل في مزاحمة الدعوجية لخريجي الشريعة والقانون في تخصصاتهم». ضرر النظام القضائي انتشار ظاهرة «الدعوجي» وهو اللقب الذي أطلقه البعض في المنطقة الغربية من المملكة على المعقبين الذين يتولون الترافع عن الآخرين أمام القضاء، يعزوه المحامون إلى ضعف تطبيق نظام المحاماة من قبل الجهات المعنية التي بدأ البعض منها أخيرا بسن قوانين صارمة تمنع المعقب من التوكل عن الآخرين في أكثر من ثلاث قضايا وهو النظام الذي يطبق حاليا في وزارة العدل. ويشير رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في الغرف التجارية بالمملكة المحامي الدكتور ماجد محمد قاروب إلى أن أكبر المتضررين من هذا الأمر هو النظام القضائي والمنظومة القضائية ما يؤثر بالدرجة الأولى في المتقاضين، وذلك لعدم إلمام المعقبين والدعوجية بأصول وإجراءات التقاضي وقواعد المرافعات الشرعية أمام القضاة «هؤلاء ليسوا مؤهلين وفق نظام المحاماة وبالتالي فإن أهم ضمانات المجتمع في العمل القضائي هو خضوع أصحاب الفضيلة القضاة للتفتيش والتأديب كما هو الحال لشركائهم من المحامين الخاضعين للرقابة والتأديب من قبل وزارة العدل لضمان أعلى المعايير المهنية والأخلاقية في العمل القضائي، لذلك يجب ألا يبقى في هذا المجال سوى المؤهلين والمرخصين رسميا خاصة مع التطورات الكبيرة والجذرية للعمل القضائي في ظل مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء والمحاكم الإدارية». وحول أسباب انتشار الظاهرة أخيرا يوضح قاروب «هي ليست ظاهرة حديثة بل موجودة أساسا وعززتها محدودية ثقافة المجتمع الحقوقية وتأخر وجود جهاز للتحقيق والادعاء العام، كما أن الأنظمة العدلية الخاصة بالإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية والمحاماة لم تصدر إلا في السنوات الأخيرة، وكل هذه الأنظمة يحتاج المجتمع إلى وقت ليتعرف عليها لتصبح جزءا من ثقافته وتعامله مع الشأن الحقوقي والقضائي والقانوني وسيسهم مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم في رفع الثقافة الحقوقية، ولوزارة العدل مشكورة جهود كبيرة جدا في هذا الشأن في سبيل تطوير وتفعيل العمل القضائي والحقوقي سيؤدي إلى خروج تلقائي للمعقبين والدعوجية والمتطاولين على مهنة المحاماة». تساهل في قبول الدعوجية لهؤلاء الدعوجية تأثيرهم الضار في المهنة بحكم توغلهم على المحامين الذين يمتلكون الإحاطات القانونية اللازمة للتعامل مع القضايا. عضو لجنة المحامين في الغرفة التجارية بالرياض وعضو مركز التحكيم العربي بالقاهرة المحامي الدكتور محمد بن عبدالله المشوح يتناول ذلك بقوله: «لا شك أن المحامين يتأثرون من أولئك الدخلاء الذين يدخلون أبواب المهنة بأسماء وهمية ومربكة للعملاء كعبارات: مخلص، معقب، وكيل، والمحاماة كما يعلم الجميع مهنة كغيرها من المهن التي يتعين المحافظة عليها وعلى سمتها والملتحقين بها». وحول القطاعات الحكومية وإذا ما كانت تفرق بين المحامي والمعقب، يوضح المشوح: «ذلك يختلف، فهناك قطاعات حكومية قضائية منعت الوكيل، الذي يتسمى به كثير من المعقبين، من الترافع عن أكثر من ثلاث قضايا، وهذا القرار تم ربطه بنظام الحاسب الآلي في المحاكم وديوان المظالم حسبما أعلنت تلك الجهات، إلا أننا مع الأسف لا نزال نشاهد كثيرا من هؤلاء الوكلاء يتحايلون على تلك القرارات ويتوكلون عن الآخرين عبر تسهيلات يقدمها لهم بعض الموظفين المتساهلين في تطبيق الأنظمة تخولهم من الترافع في تلك الجهات، أما الجهات الحكومية الأخرى غير القضائية فلا تفرق مطلقا بين المحامي والمعقب ولا يتم سؤال المتقدم إليها هل يحمل رخصة محاماة أم لا؟ وقد شرحنا في اللجنة الوطنية للمحامين بالرياض هذه المعاناة للمسؤولين عن الأنظمة وجهات التقاضي بضرورة فصل وحصر الترافع أمام كافة الجهات واللجان القضائية على المحامين فقط». أشطر من محام وحول المطالبة بقصر الترافع على المحامين فقط، أوضح المعقب الأشهر في مدينة بريدة عبدالله بن سليمان الراشد: «أعمل في هذه المهنة منذ 30 عاما ومن غير المعقول أن يأتي خريج حديث ويستولي على مهنتي». وفي رده على مقولة بعض المحامين إن المعقب يجهل الأنظمة، قال الراشد: «جلست وجها لوجه في جلستين مختلفتين للترافع أمام القاضي وخصمي في الجلستين من كبار المحامين ويحملان درجة الدكتوراه وخرجا أمامي خاسرين، وهذا أكبر دليل على أن الشهادة ليست كل شيء في هذه المهنة، لهذا دائما أقول إن الخبرة خير من الشهادة ب 90 مرة». أسعار المحامين نار من جانبهم، أبدى عدد من ملاك شركات تقسيط السيارات تذمرهم من مطالبة المحامين بقصر الترافع عليهم فقط، حيث يرى أحدهم أن شركته عينت مجموعة من المعقبين لتحصيل الديون عن طريق تقديم الدعاوى في المحاكم برواتب معقولة «يستحيل أن أخصص محاميا لتحصيل الديون لأن ذلك يعني المزيد من التكاليف الباهظة على عاتق الشركة». ويضيف أحد الملاك: «عينت أحد المعقبين الشباب لتحصيل الديون براتب خمسة آلاف ريال مع نسبة من المبالغ المحصلة بعد أن رفضت محاميا طالب بمبالغ طائلة مقابل ذلك تكاد تصل إلى مشاركتي في الشركة!!» .