بالتأكيد في حياة كل واحد منا محطات طريفة.. قد تكون خاطفة سريعة.. وقد تكون مرحلة عمر معقولة.. لكن الركض الجاد في الحياة ينسينا أن نستعيدها.. أن نستعيد أنفسنا بما نفهم فيه هذه الأنفس صبراً أو معاناة أو تلذذاً.. أو حالة معاناة.. أخطر ما في الأمر أن مَنْ ينسون المحطات الطريفة في حياتهم يكادون ينسون تفاصيل تلك الحياة ويسحبون حالة الحاضر على كل الماضي الذي سبق.. وهذا خطأ كبير بغض النظر عن ردود الفعل مع الناس ومن الناس أيضاً تجاه وضع انزواء بحالة ارتفاع أتت متأخرة.. خطأ كبير لأنك لا تسير داخل ردهات نفسك.. لا تطل من كل نوافذها.. لا ترى جيداً صور من مرّوا بك وتركوا صوراً على جدران ذاكرتك.. ماذا قرأت حتى تعلمت كيف تصنع لك الكلمة ابتسامة أو دمعة؟.. ماذا عانيت حتى أصبح لديك في داخلك ميزان للأمور التي تمر بك؟.. طوال المرحلة الدراسية كنت شديد الاهتمام بالقراءة.. مرّ بي بلزاك وموبسان ودستويفسكي وجوركي وريتشارد رايت وارسكن كالدويل وتولستوي وسارتر.. وفتح عيني طه حسين على قراءة جديدة للتاريخ من خلال كتابه الرائع «الفتنة الكبرى».. فقرأت باقي كتبه.. وجعلني توفيق الحكيم أدرك عظمة كيف يكون الكاتب فناناً يأخذ اللقطة من الموروث التاريخي كما في أهل الكهف ويتناولها من المتداول الشعبي كما في «يوميات نائب في الأرياف».. فكان هو الوحيد الذي قرأت مؤلفاته مرتين.. بهذا التحصيل كنت أستعد لدراسة التاريخ القديم حيث كانت مكتبتي تضم الكثير من كتبه - وبالذات ما يتعلق بالأنثربولوجيا - لكن أتت النتيجة غريبة للغاية حيث في تلك السنة ألغت الجامعة كل أقسامها ما عدا اللغة الإنجليزية والجغرافيا الذي كان لي أهون الشرين لكنه في الحقيقة أفادني بما لم أكن أتوقعه.. ثم تأتي النتيجة الغريبة الأخرى وهي أنني عندما كنت أتسلى ببعض الكتابات الرياضية في «الرياض» واليمامة والجزيرة خصوصاً وأن المحيط الشبابي حولي جميعه من الرياضيين فوجئت ذات يوم بالأستاذ محمد العجيان يقول لي بأن الأستاذ عبدالعزيز العمران مدير تحرير جريدة «الرياض» يريد التفاهم معي.. استغربت.. حتى الحديث كان مقطوعاً بيننا.. هو نصراوي وأنا هلالي.. ماذا يريد..؟ توقعت أنه سوف يقنعني بمصالحة مع الأمير عبدالرحمن بن سعود - رحمه الله - لكن كانت المفاجأة حين تقابلنا أنه عرض علي العمل كمحرر رياضي في الجريدة.. ذهلت.. لم أفكر في الأمر.. وافقت.. ووافقت أيضاً على ترك مرتب 750 ريالاً في وكالة البلديات التي عملت فيها عامين فقط والقبول بمرتب 450 ريالاً في جريدة «الرياض».. وأثق أن «الكلام» الذي كان يعجب قراء الصفحة الرياضية مني آنذاك كان «أسلوب» محرر له رصيد ثقافي أكثر مما له خبرة رياضية.. بل أكثر مما له قوة إبصار تتابع اللاعب والكرة..