يتم اختزال الشعر الشعبي وتاريخه الطويل في كتابات وتصريحات كثير من مثقفي وطننا في مرحلة معينة وفي أسماء شعرية قليلة عاشت ورحلت من الجزيرة العربية قبل مئات أو عشرات السنين، وهي أسماء كبيرة بلا أدنى شك ولا يمكن جهلها أو تجاهل إبداعها الذي وصل إلينا لاستحقاقه لذلك، ولا أبالغ إن قلت بأنه من النادر أن تجد من المثقفين السعوديين من يُشير مجرد إشارة عابرة إلى قصيدة شاعر من الشعراء الشعبيين الشباب أصحاب الحضور المتميز أو لأحد الشعراء الكبار الذين يعيشون بيننا اليوم..! وهذا الاختزال أو التجاهل يعود لأساب عديدة أبرزها السخط الدائم على الشعر الشعبي دون سبب واضح أو بزعم تسببه في انصراف المتلقين عن الشعر الفصيح، أو الرؤية الضيقة له وعدم الحرص على مُتابعة إنتاج الشعراء الشعبيين مع أن إنتاجهم الشعري يملأ الصحف والمجلات والمنتديات الالكترونية ويُبث في القنوات التلفزيونية والإذاعية؛ وهذا الأمر يحصل إما من باب الترفع عنه .. أو لانشغال المثقف بأمور أخرى يراها أكثر أهمية، ولا تسمح له بالاطلاع والمتابعة مع أهميتهما الشديدة قبل إصدار حكم قاطع في أي مسألة. والأحكام الغريبة والمجحفة التي تتعلق بالشعر والشعراء الشعبيين يشترك فيها أولئك المثقفون مع بعض المتلقين الذين لا يتوقفون عن إصدار أحكام ظالمة حين يتحدثون عن عقم ساحة الشعر الشعبي عن إنجاب شعراء في حجم الكبار الراحلين، أو يقصرون وجود الإبداع في الشعر الشعبي على مرحلة زمنية دون الأخرى أو على منطقة جغرافية محددة دون المناطق الأخرى، أو الاستمرار في مهاجمته لمجرد أن الشعراء تكاثر عددهم مُطالبين بوجود آلية لتقليص تلك الأعداد والإبقاء عن المبدعين فقط، وهذا مطلب غريب قرأته واستمعت له ويدل على وجود جهل تام بحضور الشعر والشعراء بشكل كبير في جميع العصور ..! هذه الرؤى الغائمة أو المغلوطة التي توهم بغير الحقيقة أو تحاول تحنيط الشعر الشعبي في مرحلة معينة لم تعد تمر مرور الكرام كما كانت في الماضي القريب حين كان صوت الإعلام الشعبي خافتاً ودوره محدودا ومقصورا على نشر القصائد، فاليوم أصبحت مثل هذه الآراء خاضعة للتمحيص والنقد وتوضيح نقاط الضعف والالتباس فيها من قِبل الكتاب في الصفحات الشعبية أو المتلقين، وبجود هذا الوعي سيكون الشعر الشعبي في حال أفضل مما هو عليه الآن.