حملت مذكرات الكاتب خالد الغامدي اللندنية العديد من المواقف والقصص المثيرة والواقعية في صورة تستلهم حكاية رواها بعد خمسة وعشرين عاما تضمنت في ثناياها أعتى أنواع الإثارات الأقرب للواقع تارة والأخرى للتأكيد على الذات وتغيير الصورة النمطية التي رسختها تفاصيل الحياة اليومية التي كان يعيشها . فضّل – نديم الهوى- وهو المسمى المجازي للكاتب خالد الغامدي أن يخرج بهذا العنوان "مذكراتي اللندنية" بذات الغلاف الذي يحمل صورة التقطت لساعة بغ بن الشهيرة في لندن وجانب من حركة الحياة اليومية التي يعيش رحاها ذلك المجتمع ليرصد في حقبة زمنية أنعكاس واقعهم المتجدد والطامح , راوياً قصته العتيقة التي دارت أحداثها في مدينة الضباب بدءا من عام 1985عندما سافر في عمر الصبا وهو ابن السابعة عشر عاما لمرافقة أخيه للعلاج . حالة السرد التي حملها الكتاب الذي يكتنز بين دفتيه 247 صفحة من القطع المتوسط تنبئ عن حبكة درامية وأسلوب آخذ في عرض الأحداث التي لم تخلُ إطلاقا من التراجيدية والكوميدية والرومانسية ورصد لبعض من صور الخيال الواسع المنسجم مع عنان القلم لينسجها بطريقة تجعل القارئ في حالة يقظة وانتباه مع تسلسل القصة من بدايتها وحتى نهايتها ومرورا بعقدتها لتفسح لخيال القارئ إكمال الجزء المفقود منها . مذكرات الغامدي تحدثت عن أفضل الأشياء التي كانت تتميز بها لندن قبل عصر الإنترنت وهي الكتب المتوافرة بها دون غيرها من الدول وكذلك مكتباتها العريقة باللغتين العربية والإنجليزية, وهي الكتب الأصيلة التي ألفها كتّاب مهنيون من المستشرقين وآخرون من اللاجئين السياسيين . غلاف الكتاب وتناولت المذكرات جانبا مهما من قصة هجرة الصحافة العربية والكتّاب الكبار لأسباب سياسية وأمنية حيث أصبحت لندن في ذلك الوقت تعج بالعديد من الصحف الرصينة منها والصفراء. في فصل المدرسة وفصول لندن الأربعة يتحدث الكاتب عن مكامن أثرت في حياته فبعد أن خرج من مدينة الدمام وهو في سن سبعة عشر عاما وانتقل لمدينة الضباب حيث الأجواء الجميلة والفصول المتغيرة بتباين واضح مما جعلته يعيش في بيئة صحية للتأمل والهدوء واستقراء الحياة والتفاعل الإيجابي معها قائلا لقد عشت تلك الفصول وأدركتها بحواسي الخمس لأول مرة في حياتي , وغبطت الإنجليز على النعمة التي يرفلون بها وعلى جمالها . وأسهب الكاتب بشيء من التفصيل عن بعض المواقف التاريخية والقوى الفكرية التي كانت مسيطرة على المجتمعات إبان فترة الثمانينيات والتي تسمى بفترة الصحوة حيث يقول إنه وجد المجال متاحا في لندن بأن يعرف تفاصيل هذه الفكر ويعيد النظر في قراءته وذلك عند اقتناء الكتب التاريخية والدينية والسياسية ومذكرات المستشرقين التي قرأها سابقا وأشار في طرف من المذكرات قدرة أقلام المستشرقين التي كانت تكتب بشكل مغاير عما كان يقرأه سابقا حيث إن كل الكتّاب كانوا مسحورين بشخصية الملك عبدالعزيز ودهائه وأنه تفوق حتى على القواد والملوك التاريخيين مثل تشرشل والملكة فيكتوريا . وفي ختام المذكرات يشير الكاتب خالد الغامدي إلى سنوات من الاعتراف بالذات وتعزيز مكانة الإنسان وقيمه وأصالته وعرضها في مجتمع يعج بالمبهجات كلندن حيث قابل بشرا لم يعهدهم من قبل ومر بتجارب وحكايات بعضها كان أقرب إلى الخيال , وهو الأمر الذي غيّر مجرى حياته لاحقا وكذلك إلى الأبد.