الصحة لاغناء عنها فبدون الصحة لاتستقيم الحياة. كمالا يستقيم التعليم ولايقوم الاعلام بدوره. بل إن أحد شروط التعليم اكمال الفحص الطبي والتطعيمات اللازمة قبل الانخراط بالسلك التعليمي وحجز مقعد دراسي. فلا شك أن الهم الصحي مقدم على الهم التعليمي والإعلامي. فوجود وزير للتربية والتعليم ووزير اللإعلام والثقافة لم يحولا دون الحاجة لمجلس أعلى للتربية والتعليم ومجلس أعلى للإعلام. فحكومتنا الرشيد ادركت أهميتهما لذا تم تأسيسهما دعما للتربية والتعليم والاعلام. هذان المجلسان يدعمان ويكملان من جهود وزير التربية والتعليم وووزير الثقافة والإعلام. فالتعليم والإعلام هما أهم الشرايين التي تؤثر على نهضة أمتنا السعودية. لكن تظل الصحة هي الرافد الرئيسي للتربية والتعليم والإعلام. يا معالي وزير الصحة لعل القضية التي يعاني منها الباحثون والعاملون بالقطاع الصحي في المملكة هو تعدد المرجعيات الصحية التخصصية بين وزارة الصحة ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث والشؤون الصحية في الحرس الوطني والشؤون الصحية بوزارة الدفاع والطيران والشؤون الصحية بوزاة الدخلية. هذه التعددية لابد من التأكد من أنها تعددية تكاملية وليست تعارضية. فالواقع الصحي الذي نعيشه لايعكس التكامل بين خدماتنا الصحية بل يعكس التنافس بينها وكأننا نتعامل مع مؤسسات متنافسة وليست متكاملة وتنهل من معين واحد ومن وزارة مالية واحدة. ولعلي أكتفي بمثال واحد للتعددية التخصصية فمثلاً مدينة الملك فهد الطبية ستكون مرجعا للأمراض المستعصية والتي من ضمنها الاوررام. كما ان الشؤون الصحية بالحرس الوطني ممثلا بمدينة الملك فهد الطبية لديها مركز متخصص لعلاج الأورام بالرياض وجدة. كما أن مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض وجدة لديه أقسام للأورام. كما أن الشؤون الصحية بوزارة الدفاع ممثلا بالمستشفى العسكري لديها أقسام للأورام. ناهيك عن الازدواجية بين المراكز الأخرى للقلب واوارام الأطفال غيرها. فالأمراض المزمنة والمستعصية تستأثر بنصيب 80٪ من ميزانيات الصحة لذا كان لزاماً التأكد من استثمارها واستغلالها بالشكل الامثل لانها المعادلة الاصعب في الرعاية الصحية. فالذي يبحث عنه المهتمون بالصحة التأكد من تكاملية الخدمات الصحية بدلاً من تنافسيتها. ونحن لانشك بحرص القائمين على خدماتنا الصحية بالسمو بها لكن نحتاج إلى مجلس أعلى للصحة ينظمها بشكل فعلي وليس شكلياً كما هو واقع الحال. فكما تعلم يامعالي الوزير إن علاج الأمراض المستعصية يتطلب توفر تجهيزات وكوادر طبية متميزة مما يجعل التكلفة التشغيلية لها مرتفعة جداً مقارنة بالمستشفيات الأخرى. ألا ترى يامعالي الوزير ان وجود مجلس أعلى للصحة يتولى عملية ليس فقط التنسيق بين مقدمي الخدمات الصحية بل رسم السياسات الصحية بينها وتوحيد قنوات علاج الأمراض المستعصية في مراكز محددة تخصصية تكون مستقبلا نواه لمعاهد أبحاث طبية متخصصة وخياراً استراتيجياً لابد منه للأسباب الطبية والاقتصادية الآتية: ضمان تواجد الكوادر الطبية المتخصصة في مستشفى أو مركز واحد سيساعد الكادر الطبي للتشاور وبناء رؤية طبية محددة. كما أن رؤيتهم لعدد أكبر من المرضى تحت مظلة واحدة يساعدهم على اكتساب خبرة أعمق مما يزيد خبرتهم الطبية وتطوير طرق العلاج. وأحب أن أذكر في هذا السياق أن وفدا لإحدى دول الخليج كان بصدد إنشاء مركز طبي متخصص لأطفال الأورام وقد جاء لمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض للتشاور مع المختصين. وأذكر أن أحد الأطباء المختصين- غير السعوديين ذكر بأن قيام مركز متخصص لأورام الأطفال في بلدكم لن يجذب المتخصين للحضور بسبب محدودية الحالات لديكم. فإنشاء المراكز الطبية المتخصصة يتطلب عوامل عدة وليست مالية فحسب. الاستثمار الأمثل في الأجهزة الطبية المعقدة والمكلفة. فبدلا من تواجد أجهزة طبية مكلفة في أماكن مختلفة قد لاتستثمر بشكل كامل بل محدود لاتتوازي مع قيمة الجهاز الحقيقية. فوجود مركز طبي موحد يساعد على استثمار واستغلال الاجهزة الطبية والتأكد من تشغيلها بكامل طاقتها (COST/BENEFIT)؟ وجود مراكز طبية محددة يساعد على توحيد البروتوكولات الطبية العلاجية بين المختصين وهذا بدورة سيساعد على تطوير طرق التشخيص والعلاج للأمراض المستعصية كاورام الأطفال والكبار والقلب وغيرها. تفعيل دور الطب الوقاني والتثقيف الصحي. فلقد ذكرتم أن الوزارة عازمة على تفعيل الطب الوقائي والتثقيف الصحي للدور الاجابي للحد من كثير من الامراض. فالوقاية خير من العلاج. فوجود مركز متخصصة سيساعدها على تقييم الوضع الصحي وتفعيل الطب الوقائي كل مركز متخصص في مجالة. فمثلا مركز اورام الأطفال سيتبني دور التثقيف الصحي عن اورام الأطفال على مستوى الوطن وكذلك مركز القلب وغيرها من المراكز الوطنية الطبية. يفعل وجود آلية طبية لتحاويل المرضي بين المستشفيات التخصصية الكبرى. فوجود مراكز طبية متخصصة وطنية سيساعدد على تحديد مسؤلية متابعة نظام تحويل المرضي والجهة المخولة لاستقباله. فالمريض ابن للوطن قبل أن يكون منسوبا لاحد الدوائر الحكومية أو القطاعات العسكرية أو أحد مناطق المملكة. فمن حق ابن الوطن أن يتلقى الرعاية الطبية خصوصاً في الأمراض المستعصية. فوجود هذه المراكز سيساعد على تنظيم نظام تحاويل المرضى على مستوى الوطن وليس مقصوراً على منطقة دون منطقة أو قطاع دون قطاع. من الأولويات التي تسعى الوزارة لتحقيقها كما ذكرتم يامعالي الوزير في أكثر من مناسبة ربط مرافق وزارة الصحة عبر شبكة المعلومات الطبية هذه الشبكة الطبية يضاف لها وجود إمكانية معالجة المرضى من أماكن علاجهم عبر زيارات المختصين لهم. فتواجد المريض لم يعد ضروريا كما كان سابقا في مركز العلاج فشبكة المعلومات يتيح متابعة الحالة عن بعد أو عن طريق زيارات محدودة للمرضي في أماكن تواجدهم. وتبقى بعض الحالات الحرجة التي تتطلب نقل المريض للمراكز الطبية المتخصصة في نطاق محدد. يامعالي الوزير إننا إذ نقدر لكم جهودكم المخلصة لرفع مستوى الخدمات الطبية فلقد طورتم وأوجدتم بفضل الله ثم بدعم رجال الدولة المخلصين ما كان مستحيلا. وخطاكم مباركة ونفعها مباشر للمواطن لكننا في الوقت نفسه نرى أننا بحاجة ماسة لمجلس أعلى للصحة أسوة بالمجلس الأعلى للتعليم أو المجلس الاعلى للإعلام والمجلس الاقتصادي الأعلى. فالتحديات الصحية التي نواجهها كبيرة تتطلب وجود مجلس أعلى يحدد السياسات الصحية ويكون المسؤول عن مراقبة التوسع في القطاعات الصحية خصوصاً التخصصية بحيث تربط الميزانيات الصحية التوسعية بالمجلس مباشرة. فكما هو معلوم أن تخفيف الضغط على المستشفيات التخصصية لايكون بإنشاء مستشفيات تخصصية أخرى ولكن بدعمها وتوسيعها ثم تفعيل دور الطب الاتصالي للتنسيق مع المستشفيات غير التخصصية الأخرى. فالحاجة للمجلس الأعلى للصحة خيار استراتيجي لابد منه فمتى نراه يامعالي الوزير؟ ٭ المدير التنفيذي المشارك للخدمات المساندة بمركز الملك فهد الوطني ومركز الابحاث رئيس تحرير مجلة أطفالنا