يعمل في المملكة حوالي تسعة ملايين وافد يمثلون ما نسبته (31%) من إجمالي عدد السكان، من بينهم (5.9) ملايين عامل من الذكور، بينما يصل عدد الإناث منهم إلى ما يقارب (2.5) مليون عاملة، أتوا من عدة دول وبخلفيات ثقافية للعمل في مهن متنوعة، وبحسب نظام العمل والعمال المتبع فإنه يجب على كل راغب في العمل أن يوفر من يكفله أمام الجهات الرسمية، والذي أسماه النظام ب «صاحب العمل»، بدلاً من اسم «الكفيل» المعتمد سابقاً، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مدى ملاءمة هذا النظام، ومدى احتياج العامل إلى كفالة مواطن، وأن بإمكانه العمل من دونها في أجواء قد تخلو من الضغوط التي قد يشكلها البعض على حرية تنقل من يكفله، ربما لأنها توفر له دخلاً أو ظروفاً أفضل، ولكن تحت رعاية أصحاب عمل - كفلاء - مختلفين. الرافضون: زيادة في الأعباء و«مركزية» في التعامل وإحراج في الشكاوى من هنا بدأ البعض يطرح مقترح أن تكون الحكومة هي من يتولى كفالة العمالة الأجنبية، وأنه سيكون مرحلة حضارية جديدة، تتمثل بالتخفيف على المواطن من مسؤولية الكفالة المتمثلة في المتابعة وحفظ الوثائق الرسمية، كما ستعفي هذه المسألة الأفراد من الحصول على التأشيرات اللازمة ومتابعة إجراءات استقدامهم، إلاّ أن هناك من لا يوافق على هذا الاقتراح، على اعتبار أنه من غير المنطقي أن تزيد الحكومة من مسؤولياتها، إذا نظرنا إلى الأعداد الكبيرة من العمالة، مؤكدين أنه من الأفضل أن يكون البديل هو تنظيم وجود العمالة، مع إعادة النظر في موضوع الكفالة من وزارة العمل، التي يوجد فيها كثير من الثغرات. «الرياض» تطرح الموضوع لمعرفة إمكانية أن تصبح الحكومة هي الكفيل، مع معرفة انعكاسات هذا القرار - في حال تطبيقه - على كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للوطن والمواطنين، فكان هذا التحقيق. د. نواف الفغم لا أؤيد في البداية قال «د. نواف الفغم» عضو اللجنة الأمنية بمجلس الشورى: إنني لا أؤيد أن تعمل الدولة دور الكفيل؛ لأنها تفضل أن تكون حرية هذه الأعمال الروتينية للناس، ولتتفرغ هي لمهام أخرى تستوجب السيطرة الحكومية، إضافة إلى مسؤولياتها الأخرى، مضيفاً أنه لو حاولنا أن نجعل شركات الاستقدام جهات حكومية ستصبح دولتنا مركزية بمعنى الكلمة، رغم أنها تراقب عن بعد هذا التنظيم العمالي، بل وتمسك بزمام المبادرة فيه من جانب دخول العمالة وتنقلاتهم وتسجيل وحفظ بياناتهم، وكذلك السماح باستقدامهم، حيث سلمتها إلى شركات الاستقدام، التي تعاني ضعفاً في التطبيق، ما نتج عنه عدة مشاكل لعل من أبرزها تخلف العمالة وتسيبها، مبيناً أن أبرز نتائج ضعف التطبيق يتمثل في «التسيب»، فعند وصول العامل إلى المملكة يهرب في لحظات قبل وصول كفيله لتسلمه، إلى جانب حجم التحويلات الهائلة من المبالغ المالية لبعض العمالة، التي قد تقدر بالملايين، مطالباً بضرورة تفعيل المراقبة والمحاسبة ليست على الأجانب فحسب، بل على المسؤولين ذوي الصلاحية والمرتبطين بمتابعة هذا الجانب؛ وذلك لممارسة عمليات ضبط دخول العمالة، وكذلك مراقبة التحويلات المالية التي تؤثر في اقتصادنا. حاجة السوق وطالب «د. الفغم» أن يلحق كل ما يتعلق بالعمالة الوافدة بوزارة العمل؛ لأنها تعي حاجة السوق، وكذلك حجم المشروعات الضخمة التي تحتاج إلى الأيدي العاملة لإنجازها، إضافة إلى أنها تعرف أماكنهم ووظائفهم وحقوقهم وواجباتهم، داعياً إلى ضرورة تفعيل دور إمارات المناطق في كل مدن المملكة؛ من أجل ارتباط كل وافد بمدينته بعد مجيئه بعقد عمل، مضيفاً: «في السابق كان العامل يأتي الى منطقته ليؤدي عمله ثم يغادر، أما ما يحدث حالياً، فالكفيل يسكن في منطقة والعامل يعمل في منطقة أخرى، ما يستوجب تفعيل دور أمن الطرق لضبطهم خلال تنقلهم، وذلك بواسطة ربط جهاز الحاسب الآلي للجوازات بالطرق، ليتبين المطلوب جنائياً والهارب من كفيله، ولضبط حركته أمنياً»، لافتاً إلى أن العمالة تتحرك بسهولة ويسر مما يشكل عبئاً كبيراً على الدولة من الناحية المالية. د. فهد العنزي شركة مساهمة وأوضح «د. فهد العنزي» عضو مجلس الشورى، أنه من الصعوبة أن تعمل الدولة بكفالة العمالة؛ لأن ذلك قد يترتب عليه نتائج غير جيدة، وقد تحرج هذه الكفالة الحكومة في حقوق خاصة لها، في حال تقدمت هذه العمالة بشكوى في بلادها، خاصة أن هناك شق جنائي في الموضوع أحياناً، مقترحاً إنشاء شركة مساهمة من القطاع الخاص بأسهم يشارك فيها المواطنين مثل البنوك، وتكون بمثابة الكفيل للعمالة، ما يعني إلغاء الكفالة الفردية للأفراد، ولتتحول إلى شركات كبرى، بحيث تكون حقوق العمال لدى الشركة وأرباب العمل، شريطة أن تكون متخصصة للاستقدام، ومسؤولة عن جلب الأيادي العاملة من كل أنحاء العالم، ثم تبرم العقود مع المواطنين، معتبراً تجربة بعض الدول في الكفالة لا يمكن تعميمها لدينا، نظراً لحجم وتنوع العمالة التي تفوق أعدادها الدول الأخرى. غير منطقي المؤيدون: يحد من التلاعب في التأشيرات و«الهروب» وافتراش الشوارع ورفض الأستاذ «يحيى ال مقبول» رئيس لجنة الاستقدام في غرفة جدة، المقترح؛ لأن ذلك - على حد قوله - يعني أن توفر الدولة كافة الاحتياجات ودفع الرواتب، معتبراً ذلك بغير المنطقي، مفضلاً أن يكون البديل تنظيم وجود العمالة، حسب التعديلات الجديدة للاستقدام. ويؤيده «د.طلال البكري» - عضو مجلس الشورى- أن كفالة الحكومة لأكثر من (8) ملايين عامل وافد سيزيد من أعبائها، مضيفاً أن الحل البديل يتمثل في إعادة النظر في موضوع الكفالة من وزارة العمل، التي توجد فيها كثير من الثغرات، مطالباً بإيجاد حلول بديلة في ظل وجود كفلاء واهمين يقبضوا أموالاً مقابل كفالتهم، مع وجود عمالة مخالفة احترفوا الإجرام. د. طلال البكري رسم السياسات وقال «د. أحمد العسيري» الباحث في علم الاجتماع: إن كفالة الدولة للعمالة غير منطقي وقليل الجدوى، من منطلق أن المفهوم العصري المؤسساتي أن يكون تدخلها لرسم السياسات العامة، وليس أن تكون مجال تنفيذي للدولة للمؤسسات المدنية والقطاع الخاص، مضيفاً أن التوجه العالمي في الوقت الحالي يسعى لتفعيل الدور المؤسسي القائم على المشاركة في المسئؤليات وصنع القرار، والذي يتنافى مع العمل المقنن من قبل السلطة، مشيراً إلى أنه في حال تدخلت الحكومة بشكل مباشر في عمل المؤسسة المدنية، سينتج عن ذلك محددات في أداء مهامها وتطوير أدائها، لأننا عندما نختزل الكفالة في الدولة وحدها فنحن بذلك نهمش عمل العديد من المؤسسات ونحد من تطوير أدائها، مبيناً أنه لو نظرنا في جدوى تفعيل السلطة الحكومية، فهو في الأصل موجود عبر الجهات التنفيذية من خلال وزارة العمل وما يتبعها من مكاتب الاستقدام والجوازات، مع اقتصار الجانب الأمني على ما يتطلبه ذلك من حالات معينة تتطلب تدخل الحكومة، مثل الممنوعين من السفر، ومن ابعدوا نتيجة إصابتهم بأمراض معدية وذلك بالمشاركة مع وزارة الصحة. تطوير الرقابة وأوضح «د. العسيري» أنه لو طورنا أداء الرقابة للجهات المعنية ذات العلاقة بالكفالة، لكان أجدى من كفالة الحكومة الرسمية، التي ستشكل عبئاً على كاهل الواجبات الأساسية للدولة، ما سيحدث إرباك لعملها في أنشطة الإدارات ذات العلاقة المباشرة، سواء من الناحية التشغيلية أو تنامي القوى العاملة، مضيفاً أنه إذا نقلنا هذا الجانب إلى السلطة، كأننا بذلك قلصنا من تنامي القوى العاملة، الذي سينعكس بشكل سلبي على البطالة ومستوياتها وتداعياتها، الأمر الذي له علاقة وثيقة بالأمن لو أردنا النظر له من الناحية الأمنية، والذي تتعدد فروعه بين الأمن الغذائي والتعليمي والفكري، مشيراً إلى أن تدخل الحكومة سيؤثر في تشغيل بعض الإدارات، مشيراً إلى أنه ليس مع استلام الدولة زمام المبادرة بشكل متكامل؛ لأن في ذلك تعطيل لبقية المؤسسات، بل ويبتعد تماماً عن التفكير الحديث المعاصر، بأن مفهوم الحكومة هو دولة المؤسسات، وذلك يعني أن يكون هناك تقسيم عمل وتخصص، ذاكراً أن الدولة لها جوانب معنية بما فيها أشياء واضحة، كاستتباب الأمن العام والمشروعات الداخلية، وكل ما يتعلق بأعمال الإدارة العامة. د. صالح الدبل مرحلة حضارية وحول الأثر الاجتماعي الإيجابي في حال تحققت كفالة الحكومة للعمالة الوافدة ذكر «د. صالح الدبل» أستاذ علم الاجتماع، أنه عندما يستعاض عن الكفيل الشخصي للعمالة الوافدة وتوضع تحت الإشراف الحكومي، فإن ذلك سيكون مرحلة حضارية جديدة، ويتمثل ذلك بالتخفيف على المواطن من مسؤولية الكفالة المتمثلة في المتابعة وحفظ الوثائق الرسمية للمكفول، كما ستعفي هذه المسألة الأفراد من الحصول على التأشيرات اللازمة ومتابعة إجراءات استقدامهم، مضيفاً أنه من ناحية أخرى ستخفف على المقيم الوافد بعض ممارسات الكفلاء، المتمثلة في التسلط أحياناً وسلب الحقوق الخاصة بالمكفولين، وستتسق مع التوجه الدولي في تسهيل حركة الناس في التنقل والعمل والإنتاج من دون عقبات تحول دون ذلك، مبيناً أن الإيجابيات المتوقعة لتعديل مسار الكفالة من الأفراد إلى الجهات الحكومية هو تيسير التعاملات الرسمية في الخارج مع طالبي العمل، وتفعيل التوافق مع الحكومات المختلفة في شأن الاستقدام، كما أن في ذلك توحيد للإجراءات وتقليل عدد الجهات، مشيراً إلى أنه من المصالح التي ستجنى من ذلك القضاء على مسائل التستر التي يمارسها بعض الأفراد وجني الأموال من العمالة من دون وجه حق. حل المشكلات وتوقع «د. الدبل» أن يضطلع بمهمة التوظيف جهات خاصة مصرح لها، تفتح مكاتب داخل المملكة، ليتم التعاقد بين الأفراد والمؤسسات والشركات من جهة، وبين العمالة عن طريق هذه المكاتب، متوقعاً أن تختفي المشكلات المرتبطة بعدم صلاحية العمالة أو الهروب من الكفيل، وخاصةً العمالة المنزلية، بحيث تكون العقود مشروطة بالصلاحية والاستمرارية، فإذا هرب العامل أو العاملة تتوقف مباشرة الرواتب من دون ضياع دفعات مالية كبيرة على الأفراد، مبيناً أنه ستقل إن لم تنته مشكلات العمل عند غير الكفيل، التي تُعد أكبر مشكلة يعانيها الأفراد والمؤسسات، كما ستكون مهمة الجهات الأمنية المتمثلة في الجوازات وغيرها مهمة أسهل عندما يتعاملون مع المكاتب والعمالة مباشرة من دون الأفراد والأسر لحساسية الموقف.