الحظ ، ذلك الممدوح والمذموم فيما يبدو ويظهر على ألسنة بعض الناس وفي أشعارهم ، هو ذلك الذي تتجه إليه هواجس بعض الناس في صدوف الحياة ومجرياتها فيعلقون كل شيء عليه . عندما نتعثر فإننا نلوم حظنا ونفتش عن رقاده أين نام واندس ، وعندما ننجح فإننا أيضا نتلمسه هنا وهناك فوق المرتفعات والأعالي لكي نمتدحه . قال أهل النثر فيه كلمات ومقالات ، وصاغوا فيه العبارات والجمل . وقال الشعراء في الحظ قصائد كثيرة ، ورموه بالتوقف أحيانا والكسل حينا آخر وبالتباطؤ أحيانا كثيرة ، لكنها في الغالب تدور حول تبريرهم لأحوال يمرون بها وحياة يعيشونها . كل ما صادفه الناس من أرزاقهم قلة أو كثرة أو مواقفهم المتعسرة أو المتعثرة أو المتعسرة فإنهم يحيلونه كله إلى جودة الحظ أو رداءته ، هكذا هي ثقافتهم حول أحوالهم . فالذي يوفق في شيء يقولون عنه فلان جاد حظه فهو محظوظ ، وإن لم يوفق قالوا فلاناً تردى حظه وضعف . حتى إن الحظ في رؤية الناس هو الذي يغير من تجاوب الآخرين معنا فإن جاد حظنا عاملنا الناس بكرم وانقياد عجيب ، والعكس بالعكس أيضا. وكأنهم بهذا يلغون كل شيء غير الحظ ، يلغون العمل والعلاقات والثقافة والتجارب والعلم والمعلومة والفكر والفكرة. فيقولون : فلان محظوظ حتى أن البطيخة التي يشتريها وبدون فحص تكون حمراء شهية لذيذة ولا جهد له في اختيارها وإنما حظه الجيد جودها. وقالوا في الأمثال المصرية : ( قليل البخت يلاقي العظم في الكرشة ) والبخت عندهم هو الحظ والنصيب ، والكرش كما هو معروف لا عظم فيه مطلقاً ولكن قليل البخت ويعنون به ردي الحظ يلاقي عظما في مكان لا عظم فيه أصلاً ، وهذه بالطبع مبالغة لكنها مثلا ألفوه وراق لهم تداوله . ونقول نحن : . ان طاب حظك باع لك واشترى لك والى تردى لا شرى لك ولاباع وهو بيت للعله للشاعر علي القناص . كذلك يضرب المثل بشطر بيت لبركات الشريف ( إن جاد حظك باع لك واشترى لك ) وهو في معنى البيت السابق وكلاهما متأثر بالآخر حيث اللفظ والمعنى. في هذا القول بالطبع ما فيه ، فالحظ أنت وجهدك وسعيك وبذلك وظروف تسود مكان معيشتك ، وتعاملك بنشاطك وعلاقتك بكل الحياة من حولك . الحظ قدرك وما قدر لك ، وهو نصيبك الذي يكون لك وحدك وقسمك في عمرك ، تأخذه برضاك وتكون قانعا به مقتنعاً بأنه أجود الأشياء لك وأحسنها . وفي قصيدة لبركات الشريف يذكر لوازم الحظ فيقول : أفهم بنا ما أقول لك طاب فالك سعود الفتى بالحظ من غير تشكيك ان جاد حظك باع لك واشترى لك فوايده من كل الآفاق تاتيك وان بار بك عزي لحالي وحالك وباردى الثمن لزمن يبيعك ويشريك وان جاد حظك بالمجالس حكى لك وصدّق مقالك كل من هو يحاكيك وان بار بك كلٍّ يكذب مقالك وتصير كذبات الملا كلّها فيك وان جاد حظك بالمنازل بنى لك قصر رفيع شامخ الطول يذريك وان بار بك خلاك تنقل عيالك من دار إلى دار والآخر يجلّيك وان جاد حظك كل شي صفا لك وقرايب الخلان كل يصافيك وان بار بك ظلّيت ما أحد بحالك ولا بفنجال من البن يسقيك وان جاد حظك قام واطلق عقالك ومشى معك في كل دار يباريك وان بار بك قيّد وثنّى عقالك وعن كل درب ييردك ويثنيك وان جاد حظك كل شي زهى لك وتوّجك بتاج العز من غير تشكيك وان بار بك شيّن حلايا خيالك الى اقبلت من كل عين تراعيك وان جاد حظك كل شي سنا لك يوضي كما القنديل نوره يقدّيك وان بار بك خلاك تتبع ظلالك مالك دليل تايه الراي يعميك وان بار بك عزي لحالي وحالك أرذل رذيل هافي الجد يوذيك وهنا سار بنا الشاعر في كل مناحي الحياة مقارنا الحظ في كلا الحالتين ، فإن جاد أشرقت الدروب وزانت الأحوال وحالف صاحبه ما يبهجه ، حتى شعور الآخرين وأحاسيسهم تتغير تجاهه ، والعكس صحيح عندما يتردى الحظ ويبور بصاحبه ، هذا من وجهة نظر خاصة بالشاعر ، ولا شك أن ينطلق من ثقافة هي امتداد لثقافة من حوله ومجتمعه . كما يقول الشاعر علي القناص . عزي لحالك يا مضيع حلالك من ضيع الحلال في ساقته ضاع ما لك عن المكتوب واللي جرى لك واللي غدا ما عاد لك منه مرجاع شي بلاه الوقت حتى تهالك وشي كلاه الذيب وعيالك جياع وشي جلبته دون وجهك وحالك أعطيته القرو وعطوك القرو صاع فان طاب حظك باع لك واشترى لك والى تردى لاشرى لك ولا باع ويقول الشاعر : محمد السديري كل ما طقيت لي في أرض وتد من رداة الحظ وافق له حصاة ويقول الشاعر خالد العتيبي : الحظ مفتاح الدروب المغاليق او قفل بيبان الليال وخطاها من ليلة الحمى لقتك المعاليق في ثلجها في جمرها في لظاها واسكرك ياهم ورا الحدب وتفيق كل الطعون المرمسات وعناها ومنين أببدا يا جداد الطواريق وانتي مواريف الجروح وذراها من ضيعة السجة ومر المذاويق ولا من عيوني سهرها وماها بعض العلوم يجف من دونها الريق وبعض العلوم يجف ريقي وراها يقول الشاعر ناصر بن عبود السهلي ، قصيدة هي إلى الفكاهة أقرب ، حيث يصور نفسه مع حظه المتعثر يريد مفارقته ولكنه حظه يلازمه تقابلت أنا والحظ ليله قمرها غاب عرفته بقبح المنظر ودثرة ثيابه وصدّيت عنه ومنه أنا ضامري مرتاب أبي فكّةٍ منّه عسى خير ، وش جابه ؟! أنا كل ماصكّيت بابٍ فتح لي باب ومن ذي سواته ياعرب ويش يبغى به ويوم اعترض لي قالي ماعنك مجناب أنا حظّك اللي بالقشر دوم يدعا به حتى قال: ولو حظّي المقرود ينسب له الأرهاب يمرّونه العالم مااحد يحسب احسابه والقول الفصل هو أن الحظ هو النصيب المقسوم ، فالرضا به يعد من أسباب السكينة والطمأنينة ، ولن يغير أحد نصيبه المقسوم سواء كان قليلا أو كثيرا ، وهذا ملاحظ ومجرب ، فلا كثرة الحرص تزيده ولا الهدوء ينقصه وهذا يعني أن على الإنسان أن يبذل المزيد من التوكل على الله ، ولا يعني بالطبع التواكل والكسل. وأن لا يعلق كل شيء على الحظ حتى لو أن ثقافة المجتمع تتجه إلى الحظ وتشير له بأصابع اللوم حينا ، وتعلق عليه الملامة في عدم الحصول على تحقيق الأمنيات ، فما الأمر إلا نصيب كل منا والله هو المتصرف وحده.