الشعر موهبة تشحنها المشاعر وما لم يتحكم فيها العقل ويحد من تماديها في المحظور فإنها توشك أن تقضي على الشاعر خاصة إذا استغلها الشاعر في الهجاء والشتائم التي ساعد اليوتيوب ووسائل التقنية الأخرى على سرعة بثها وانتشارها هنا نقول للشاعر كما قال الأكلبي: يا أخي الشاعر ترى ما فوق راسك ريشة ما تحتك ألا ظلالك ترمحه وتهبده جاء في الأمالي أن العجاج دخل على عبدالملك بن مروان، فقال: يا عجاج، بلغني أنك لا تقدر على الهجاء، فقال: يا أمير المؤمنين، ومن قدر على تشييد الأبنية أمكنه إخراب الأخبية، قال: فما يمنعك من ذلك؟ قال: إن لنا عزاً يمنعنا من أن نُظْلَم، وإن لنا حلماً يمنعنا من أن نَظْلِم، فعلام الهجاء؟ فقال: لكلماتك أشعر من شعرك؛ فأنى لك عزٌ يمنعك من أن تُظلم؟ قال: الأدب البارع، والفهم الناصع، قال: فما الحلم الذي يمنعك من تَظْلم؟ قال: الأدب المستطرف والطبع التالد. قال: يا عجاج، لقد أصبحت حكيماً؛ قال: وما يمنعني وأنا نجي أمير المؤمنين. إن في القصة السابقة درس لكل شاعر يريد أن يحترف السباب والشتائم بل ويحاول نشرها في كل وسيلة إعلامية ممكنة، والمصيبة الأشد أن يكون منطلق هذه الشتائم والدافع إليها ليس ذات الشاعر وعاطفته وإنما أناس آخرون استطاعوا تحويل الشاعر إلى آلة صوتية تضج بما هو قبيح من المفردات والجمل والتراكيب التي تدوزنها بحور الخليل اضطراراً وتبثها التكنولوجيا تكراراً بل وتحفظها في أرشيف الانترنت إلى ما شاء الله، والشاعر حين يفعل ذلك إنما يحقق رغبة غيره ويقبض ثمن ذلك بصورة دنيئة لا تليق بنبل الشاعر العربي ولا مروءته!! وربما قال قائل إن الشاعر لا يستطيع الصمت حيال هجاء شاعر آخر فيتهم بالعجز الشعري على طريقة: حلم ابن قنبر حين قصّر شعره هل كان يحلم شاعر عن شاعر هنا نقول أين هذا الشاعر من كلام العجاج الذي هو عين الحكمة وقمة النضج الفكري فما بالك إذا كان غاية الهجاء والشتائم المساس بأعراض أناس آخرين وليس أشخاص الشعراء!! هنا يتجلّى نموذج الشاعر/الآلة. وأخيراً فقد ذكر أبوحيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة كلاماً يصح توجيهه للشعراء /الآلات فقال:" لا ترى شاعراً إلا قائماً بين يدي خليفةٍ أو وزيرٍ أو أميرٍ باسط اليد، ممدود الكف، يستعطف طالباً، ويسترحم سائلاً؛ هذا مع الذلة والهوان، والخوف من الخيبة والحرمان، وخطر الرد عليه في لفظٍ يمر، وإعرابٍ يجري، واستعارةٍ تعرض، وكنايةٍ تعترض، ثم يكون مقلياً مشيناً بما يظن به من الهجاء الذي ربما دلاه في حومة الموت"!!