تناقلت وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية الحادثة المأساوية التي حدثت للشاعر اليمني وليد الرميشي؛ حيث احتجز، وقطع لسانه، ثم ألقي في أحد شوارع العاصمة اليمنية؛ بسبب قصائده التي عبرت في مجملها عن تأييد الشرعية الدستورية، ونبذ أحد أطراف المعارضة. وفي حين اعتبرت الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين هذا العمل بأنه سابقة خطيرة لم يعرفها تاريخ الشعر العربي، فإن تاريخ الشعر العربي يحتفظ بنماذج قطع فيها لسان الشاعر حقيقة ومجازاً بسبب الهجاء فقد ذكر الصفدي في الوافي بالوفيات وغيره أن أبا المخشي شاعر الأندلس في زمانه؛ كان خبيث اللسان، كثير الهجاء، وقد عرّض في إحدى قصائده بهشام بن عبد الرحمن الداخل حيث قال: وليس كمن إذا ما سيل عرفاً يقلّب مقلةً فيها اعورارُ وكعادة بعض شعراء هذه الأيام؛ فقد نسى أو تناسى أبو المخشي ما قال سابقاً، ووفد على هشام في أحد المواقف مادحاً، فلما مثل بين يديه قال: يا عاصم، إن النساء اللاتي هجوتهن لمعاداة أولادهن وهتكت أستارهن قد دعون عليك فاستجاب الله لهن، وبعث عليك مني من يدرك منك بثأرهن وينتقم لهن، ثم أمر به فقطع لسانه. وممن كاد أن يُقطع لسانه الحطيئة الشاعر المشهور بهجائه فهذا ابن كثير يشير في البداية والنهاية أن عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه، أراد قطع لسان الحطيئة فأجلسه على كرسي وجيء بالموس، فقال الناس: لا يعود يا أمير المؤمنين وأشاروا إليه قل: لا أعود ثم سجنه بعد ذلك وقصته بعد ذلك معروفة. وهذا النعمان بن بشير رضي الله عنه يطالب معاوية بن أبي سفيان بقطع لسان الأخطل بسبب هجائه للأنصار حيث قال كما ورد في أخبار الزجاجي: فما لي ثأر دون قطع لسانه فدونك من ترضيه عنه الدراهم وبعيداً عن حادثة الشاعر اليمني المسكين التي نعترض عليها جملة وتفصيلا، وبعيداً عن مسألة حرية التعبير وعدم مصادرة الرأي الآخر، وبكل صراحة فإن هناك من الشعراء، في كل زمان ومكان، من يستحق قطع ربع أو نصف لسانه وهناك من يستحق قطع اللسان (من لغاليغه) على طريقة أخواننا المصريين، وذلك بسبب تجاوزاتهم الدينية والأخلاقية، رغم أن كتب التراث العربي تذكر بأن لسان أبي المخشي نبت بعد قطعه وتكلم به وهذه بشارة نسوقها للشاعر اليمني ربما لا يوافق عليها الأطباء فقد ذكر ابن ظافر الأزدي في بدائع البدائع: بأن مالك كان يفتي فيمن قطع لسان رجل عمداً بقطع لسانه من غير انتظار، ثم رجع عن فتواه لما انتهت إليه قصة أبي المخشي وأنه نبت لسانه بعد أن قطع بمقدار سنة،فقال: قد ثبت عندي أن رجلاً بالأندلس نبت لسانه بعد أن قطع في نحو هذه المدة. كان حديثنا هنا عن قطع اللسان الحقيقي وهو الدموي الخطير أما قطع اللسان المجازي فهو غاية كل شعراء الهجاء المتطاولين على أعراض الناس ولذا فسنخصص له مقالة خاصة بإذن الله.