عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى، أم لأمر فيك تجديد المتنبي والعيد المتجدد متلازمان.. هذا ما قاله في مطلع قصيدة له عن العيد، وهانذا أتابع حديث العيد معه.. وعن صحبته لي في إجازتي التي أقضي بعض أيامها في بلاد الصين - كأني أقول لأبي الطيب: لقد جئت إلى بلاد لم تسعد بزيارتك لها، وتخليدها في شعرك، وأنا اقرأ عنك ولك فيها ما يجعل إجازتي بك حقاً سعيدة، وبالحديث عنك ومعك شيقة. المتنبي والعيد المتجدد متلازمان.. هذا ما قاله في مطلع قصيدة له عن العيد، وهانذا أتابع حديث العيد معه.. وعن صحبته لي في إجازتي التي أقضي بعض أيامها في بلاد الصين - كأني أقول لأبي الطيب: لقد جئت إلى بلاد لم تسعد بزيارتك لها، وتخليدها في شعرك *** واستئنافاً لما كتبه الدكتور الهواوي عنك.. أقف عند جوانب شعرك الغزلي.. تقول يا أبا الطيب: يا عاذل العاشقين دع فئة أضلها الله كيف ترشدها ففي هذا البيت يعتبر العشق ضلالاً، والعاشقون فئة ضالة - كيف نرشدها. وسرعان ما يجيء تناقض ذلك إذ يعتبر من يموت بسبب العشق شهيداً: كم من قتيل - كما قتلت - شهيد ببياض الطلى وورد الخدود وعذلت أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق *** وجميل ما كان من اعترافات المتنبي وصدق رأيه في نفسه وقومه ما جاء في الحوار المشار إليه مع الهواوي. سؤال: من أنت أيها البدوي القح الخارج من أعماق التاريخ العربي؟ رد المتنبي على السائل قائلاً مفتخراً أعظم افتخار: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي واسمعت كلماتي من به صمم فقال له السائل: إذاً فأنت أبو الطيب الذي سارت بشعره الركبان.. هل لك ان تنتسب؟ فقال المتنبي: ما بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجدودي وقال في رثاء جدته: لو لم تكوني بنت أكرم والد لكان أباك الضخم كونك لي أماً فقال له المحاور لماذا لا تذكر قبيلتك وجدودك وهم أصلك ومجدك؟ أجاب المتنبي: إنهم فخر كل من نطق الضاد وعود الجاني، وغوث الطريد فيستنكر المحاور عليه ان يفخر هو بنفسه ولا يفخر بجدوده، ويريد منا نحن العرب ان نفتخر بهم، فيصل المتنبي في وصف أجداده وهم العرب إلى أنهم أناس غير كل الناس في عظمة نفوسهم، قال: وإني لمن قوم كأن نفوسهم بها أنف ان تسكن اللحم والعظما وبعد هذا التفاخر بالنفس والأصل ينتقل الحوار مع المتنبي إلى حقيقة الشعر والشعراء، والحقيقة تؤكد ان للشعر أعلامه في كل عصر وزمان. قال المحاور: اتركنا من هذه الأقاويل، ودعنا نعود لنعرف ما كان من شعر عصرك وشعر عصري. حتى في الشعر يا أبا الطيب تتحدى ولا تقيم وزناً لغيرك من الشعراء السابقين أو اللاحقين منهم! المتنبي: إنّ هذا الشعر في الشعر ملك سار فهو الشمس والدنيا فلك -: يا أبا الطيب: هذا افتخار على غيرك من الشعراء يخرج عن حيز المقبول. المتنبي: فشرق حتى ليس للشرق مشرق وغرب حتى ليس للغرب مغرب لقد قلت حقاً يا أبا الطيب ها هم فحول الشعراء في عصري يتبعون نصيحتك ويقولون شعراً عجزت أنت ورفاقك ممن تعدونهم شعراء من ان تقولوا عجز بيت من بيوت شعرهم، فشعراء عصري يقولون شعراً مقفى وشعراً حراً، وشعراً نبطياً، وشعر حداثة في جلسة واحدة. المتنبي: يرمون شأوي في الكلام وإنما يحاكي الفتى فيما خلا المنطق القرد -: من أنت يا أبا الطيب حتى تصدر حكمك على الناس! وماذا بلغ شعرك حتى يحق لك ان تتطاول على الناس بهذا الشكل؟ المتنبي: إذا قلته لم يمتنع من وصوله جدار معلى أو خباء مطنب -: شعر أناس عصري أفضل وأجود من شعرك، فلا يمنع من وصوله العمائر الشاهقة، ولا المجمعات السكنية التجارية التي تطاول عنان السماء. المتنبي: وما الدهر إلاّ من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهرمنشداً -: أي شعر وأي دهر هذا يا أبا الطيب! فشعر أناس عصري وليس شعرك هو ما تتغنى به الحسان المايسات في النوادي والسهرات والقصور، فهو ينتشر أسرع من الريح. المتنبي: فسار به من لا يسير مشمراً وغنى به من لا يغني مغرداً *** وهكذا كانت ساعات الضيافة الطيبة التي جمعتنا مع أستاذنا وشيخنا التويجري وصديقنا الدكتور الهواوي، وشاعرنا العملاق المتنبي، وبعد هذا الحوار المحور والمنصوص كانت التحية الطيبة والاعجاب الكبير بشاعرنا العملاق أبي الطيب المتنبي. واقتبس ما قاله شيخنا التويجري في ختام كتابه؛ لأنه يعبر عن مشاعري أيضاً تجاه أبي الطيب، قال: (آملاً، يا أبا الطيب، ألا تكون هذه الرسالة آخر عهدي بك فمهما طال الزمان بي، أو قصر سأظل تلميذاً بين يديك، وستظل تطلعاتي إلى الصور التي لم أتمكن من رؤيتها جيداً، يقظة عندي، لتعينني على الرؤية أكثر فأكثر، فأمامي طريق للذكريات، ولردود الفعل، وللصور التي أجمعها من هنا أو هناك، سأسير على هذه الطريق حاملاً معي ذكرياتي، وكل ما علق بذهني، ولن أجعلها تدخل معي قبري، سأبقيها خارجه على مسؤوليتي وعلى أمانتي، فالمشكلة ان كل إنسان حمل معه تجربته، مهما كانت بسيطة وذابلة إلى قبره، حرم الآخرين من الاستفادة منها. أبا الطيب: ما مللت البقاء معك.. ولكن لابد من الرحيل! *** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.