رغم فتور النشاط الأدبي للشيخ عبد الكريم الجهيمان رحمه الله منذ سنوات طويلة بسبب تقدمه في السن، إلا أنه ظل حاضراً بقوة في قلوبنا وفي كتاباتنا التي تتعلق بجانبين مُهمين من تراثنا الشعبي هما: الأمثال والأساطير الشعبية، فالمجهود الجبار والرائع الذي بذله الجهيمان في جمع الأمثال الشعبية وإصدارها في عشرة مجلدات أو في جمع الأساطير الشعبية التي أصدرها في خمسة مجلدات، جعل منه مرجعاً رئيساً لا يمكن تجاهله أو تجاوزه عند الحديث عن التراث الشعبي في الجزيرة العربية، فعلاوة على إيمان الجهيمان العميق بقيمة التراث الشعبي عامةً كما يُشير في تقديمه لتلك المؤلفات، لم يكن يتردد أو يجد حرجاً في التعبير عن اعتزازه الكبير بمؤلفيه (الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب) و(أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) رغم ما عاناه بسببهما من متاعب قبل صدورهما وبعده، يقول الجهيمان في كتابه (مذكرات وذكريات من حياتي) حول هذه المسألة: "وهذان الكتابان الأمثال والأساطير اعتبرهما أعز مؤلفاتي التي بذلت فيها جهداً متواصلاً ما يقرب من خمسة وعشرين عاما". وتجدر الإشارة إلى أن المتاعب التي سبقت صدور هذين المؤلفين تهون وتصغر إذا ما نظرنا إلى حجم المتاعب التي تعرض لها الجهيمان بعد إصداره لهما، وأول تلك المتاعب نشأت من اعتراضات من يُسميهم الشيخ (المتباكون) على اللغة العربية ممن يرون خطر الأدب الشعبي وعدم أحقيته في الحياة، ثم جاءت بعد ذلك اعتراضات أصحاب النظرة السطحية من الذين لا يرون في الأمثال والأساطير والحكايات الشعبية سوى خرافات عديمة الجدوى "تسلي بها العجائز أولادها ويملأ بها الفارغون أوقاتهم ويتعلل بخيالاتها الفاشلون في الحياة"، وأخيراً جاءت اعتراضات أصحاب الفكر (الإباحي) ممن يُنبشون بين سطور كل كتاب بحثاً عن الإيحاءات الجنسية بغض النظر عن سياقها محاولين إقناعنا بأنهم هم فقط أصحاب الفضيلة وحراسها..! كُل هذه الاعتراضات لم توهن عزم الشيخ عبد الكريم الجهيمان ولم تمنعه من مواصلة جهوده لإتمام جمع التراث الشعبي من أفواه الرواة وتوثيقه بأمانة وصدق، وقد كان دافعه في ذلك هو رحابة صدره واتساع رؤيته وثقته الكبيرة بقيمة العمل الذي يقوم به، فقد كان حريصاً في كل جزء من إصداراته على طرح الآراء المُعارضة له أو التي تختلف مع رأيه ومناقشتها باحترام وتوضيح وجهة نظره فيها، وقد شرح وجهة نظره عن قيمة الأساطير -التي يبدو أنه وجد بسببها من المعارضة ما فاق المعارضة على الأمثال- قائلاً: "الأساطير منابع ثرة يستطيع القارئ أن يعرف منها أموراً كثيرة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية وما إلى ذلك من الأمور التي قد تكون أساساً لدراسات متنوعة عن حياة الآباء والأجداد"، وكان أيضاً قد ختم مُقدمة الجزء الأول لكتاب الأساطير بعبارات تدل على ثقته المفرطة بقيمة العمل الذي قام به فقال: "من شاء أن يقرأها فليقرأها ومن شاء أن يهجرها فليهجرها، ومن شاء أن يمدحها فليمدحها ومن شاء أن يذمها فليذمها، فإذا كانت تستحق الحياة فسوف تبقى رغم قدح القادحين، وإذا كانت ليست لها مقومات الكائنات الحية فسوف تموت ولن يحييها مدح المادحين ولا ثناء المعجبين"..! وبالفعل كانت ثقة الشيخ عبد الكريم الجهيمان الكبيرة في محلها، واستطاعت أمثال وأساطير وحكايات أجدادنا التي اجتهد في جمعها وتوثيقها أن تصل إلينا وأن تؤثر في حياتنا، ولعل أبرز ملامح تأثيرها هو قدرتها على جذب اهتمام الكتاب لدراستها والاهتمام بها، وكذلك قيام الفنانين بتجسيد شخصيات أبطالها من خلال أعمالهم الفنية؛ وبالتأكيد سيظل الجهيمان رحمه الله حياً في ذاكرة ثقافتنا لأنه كان رجلاً شجاعاً ومثقفاً واعياً اهتم بالأدب الشعبي لبلادنا ودافع عنه واستطاع حمايته من الإهمال والضياع، وسيبقى كذلك خالداً في قلوبنا التي أصابها الحزن بخبر وفاته ورحيله عن هذه الحياة.