قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه لا يساند المقترح الذي تقدم به الحزب الاشتراكي المعار ض والذي يدعو إلى السماح لكل المهاجرين المقيمين في فرنسا لمدة طويلة بالمشاركة في الانتخابات البلدية. وأعرب عن هذا الموقف في قصر الإليزيه خلال كلمة ألقاها الليلة قبل الماضية أمام عمد المدن الفرنسية. وعلل ساركوزي رفض المقترح بقوله إنه « محفوف بالمخاطر» لأنه من شأنه تقسيم الفرنسيين « في وقت نحن بحاجة إلى توحيد صفوفهم» . وذكر ساركوزي بأنه يسمح اليوم للمهاجرين القادمين من بلدان أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي بالمشاركة في الانتخابات البلدية الفرنسية لأن مصير فرنسا مرتبط بمصير الاتحاد الأوروبي خلافا لما هو عليه الأمر حسب رأيه بالنسبة إلى المهاجرين الآخرين. وأكد أنه بإمكان هؤلاء المهاجرين المشاركة في كل الانتخابات الفرنسية شريطة أن يحصلوا على الجنسية الفرنسية. وقد أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي حول هذه المسألة ردود فعل غاضبة لدى الحزب الاشتراكي . فقد اعتبر بيار موسكوفيتسي مدير حملة فرانسوا هولاند مرشح هذا الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة أن موقف ساركوزي حيال هذه المسألة يراد منه بكل بساطة الركض وراء أصوات اليمين المتطرف وأوضح أن المقترح الذي تقدم به الحزب الاشتراكي حول ضرورة مشاركة المهاجرين في الانتخابات البلدية سيناقش في مجلس الشيوخ في بداية الشهر المقبل وسيتضمنه برنامج هولاند الانتخابي. وقال بونوا هامون الناطق باسم الحزب الاشتراكي إن ساركوزي « غير شجاع» في التطرق إلى هذا الموضوع في هذا الظرف في إشارة إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. وتشاطر منظمات حقوقية كثيرة تعنى بشؤون المهاجرين العرب والمسلمين هذا الرأي فترى أن اليمين يسعى اليوم إلى استخدام فزاعة ظل يستخدمها خلال مواسم الحملات الانتخابية لكسب أصوات اليمين المتطرف وهي « فزاعة « المهاجرين . ويقول الناشطون في هذه المنظمات إن ساركوزي وزعماء أحزاب اليمين التقليدي والمتطرف في البلاد يدركون جيدا أن المشكلة الأساسية المطروحة اليوم في فرنسا وسائر بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى هي مشكلة انعكاسات أزمة الديون السيادية الأوروبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك فإنهم حريصون على الزج بموضوع الهجرة والمهاجرين والإسلام والمسلمين في النقاش السياسي لإغراء ناخبي اليمين المتطرف. من جهة أخرى أصدر أمس الخميس نواب الحزب الاشتراكي في مجلس النواب بيانا قالوا فيه إن ذاكرة رئيس الدولة « محفوفة بالمخاطر» لأن فيها تضاربا كبيرا بين تصريحاته أمام عمد المدن الفرنسية وتصريحاته ومواقفه بشأن هذا الموضوع قبل سنوات عندما كان وزيرا. ومنها مثلا ما ذكره نيكولا ساركوزي في كتاب صدر له عام ألفين وواحد وعنوانه « حر» من أنه من الطبيعي جدا أن يشارك أي مهاجر يقيم في فرنسا منذ سنوات عديدة في الانتخابات البلدية إذا كان يحترم القوانين الفرنسية .وذكر النواب رئيس الدولة بحديث أدلى به لصحيفة « لوموند « الفرنسية ونشر يوم الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام ألفين وخمسة وقال فيه في ما قال « من غير العادي ألا يصوت المهاجرون في الانتخابات البلدية لاسيما إذا كانوا يقيمون في البلاد بشكل منتظم منذ عشرة أعوام على الأقل وأن يدفعوا الضرائب « . وبرغم الانتقادات الصادرة عن الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يقف اليوم في صفوف المعارضة ويرغب في العودة إلى الحكم بشأن ملف مشاركة المهاجرين في الانتخابات المحلية ، فإنه سلك سلوكا مماثلا لسلوك الرئيس الفرنسي الحالي تجاه هذا الملف خلال السنوات الثلاثين الماضية . فقد كان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران قد تعهد قبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1981 بالسماح للمهاجرين بالمشاركة في الانتخابات البلدية في حال فوزه. ولكنه تنكر لذلك بعد فوزه على فاليري جيسكار ديستان . وبرر تراجعه عن موقفه بالتأكيد على أن الرأي العام الفرنسي لم يكن مهيأ للقبول بهذا المبدأ علما باأن الرأي العام الفرنسي لم يكن آنذاك مهيأ للقبول بإلغاء حكم الإعدام . ولكن ميتران فرض هذا الإجراء من خلال مجلس النواب الذي كان الحزب الاشتراكي يملك فيه الأغلبية آنذاك. وكان بإمكانه بسهولة فرض مبدأ إشراك المهاجرين في الانتخابات المحلية عبر مجلس النواب ذاته . ولكنه لم يفعل.