الليل في فضاء المدينة مليء بالحركة، والناس ، لا تهدأ الرياض تقريبا إلا في الهزيع الأخيرمن الليل.. في شارع ما ، في ناصية ما ، هناك بالقرب من محطة الوقود ، صراف آلي للنقود يتجه إليه شابان في مقتبل العمر، الأول بثوبه الأبيض، والآخر بثوب النوم.. ثوان وقد فتحا باب الماكينة الضخمة وشرعا في العمل في جوفها دون أن يدرك أحد من المارة ماذا يفعلان.. ماذا يفعل شابان على سيارة شبابية ويرتديان ملابس توحي بأنهما ليسا في وقت عمل بهذا الجهاز الذي يفترض أن يكون مليئا بالنقود؟ أسئلة تقرأها في عيون المواطنين والمقيمين المحيطين بالمكان. لكن الشابين يمضيان في تفكيك الجهاز من الداخل غير عابئين بتلك النظرات.. المشهد يبدو مثيراً للدهشة ، والأسئلة الحائرة .. أهما لصان جريئان إلى هذه الدرجة ؟ أم أن تلك الثقة التي تبدو عليهما توحي بأنهما موظفان يقومان بمهمة عمل. اقتربنا من الشابين في شارع أحمد بن حنبل بشرق الرياض ، لم يكن الوقت متأخراً كثيراً فالساعة تقترب من العاشرة ليلاً.. صعقنا الشابين بفلاش الكاميرا بلفتنا النظر للمكان. عرفنا بأنفسنا ثم سألناهم ماذا تفعلان؟ قال الشاب الذي يتحدث بثقة كبيرة أنني أقوم بعملي.. وراح يسرد قصة العمل المفاجئ مثل هذا الوقت ، حيث تتصل عليه إدارته بأي وقت لتوجيهه لأقرب نقطة متعطلة في شبكة الصرافات الآلية ، مما يعني أنه قد كان في منزله أو مع أصدقائه في الاستراحة.. لكن الشاب لم يبد امتعاضه من صعوبة المهمة ، فما بين المسؤولية التي يتحملها عند فتح جدار جهاز الصراف والخوف من أن يستغل أحد ذلك ، إلا نظرات الناس حوله واتصالاتهم على عمليات الدوريات ظناً منهم بأنه لص ، إلى حضور الدوريات والقبض عليه والتحفظ عليه حتى الصباح الباكر والتأكد من الشركة بشكل رسمي أنه يتبع لها بالرغم من البطاقة التي في جيبه. معطيات تشير بجلاء إلى الفوضى وعدم التنسيق في عملية تتصف بالأمنية في شقها الأكبر بالرغم من أنها عملية صيانة لجهاز صراف.. فقد بدأت العملية تأخذ هذا المحنى مؤخراً بعدما كانت تتم عملية صيانة تلك الأجهزة تحت قيود ومتابعة أمنية صارمة ، إذ لم يكن ممكناً لأي شركة أن تقوم بتغذية أو صيانة جهاز صراف آلي إلا بعد إبلاغ الدوريات الأمنية من أن النقطة الواقعة في ذلك الشارع ستكون تحت الصيانة في ساعة محددة ، ويكون فريق الصيانة يستخدم سيارة الشركة وأفراده يلبسون زيها الرسمي ويحملون بطاقاتهم الثبوتية. لكن الأموراليوم قد تغيرت ، فشاب كان يجلس مع أصدقائه في الاستراحة ، يرده اتصال بأن يتحرك فوراً لصيانة ذلك الجهاز فيذهب فوراً بسيارته العادية وبلباس الرياضة أوالنوم أحياناً.. المشهد وإن أفرز جانباً ايجابياً من خلال ارتفاع حس المواطنين الأمني والتفاعل بالإبلاغ عن ذلك المشهد ، إلا أنه في شقه الآخر يخلط الأمور كثيراً، ويجعل الحرامية يتقدمون لفتح أبواب أجهزة الصراف الآلي وكأنهم أولئك الشباب الذين قدموا لصيانته.. وقد حذر الباحث والأكاديمي والخبير في الشؤون الأمنية د. سلطان العنقري من أن مثل هذا المشهد قد يخلق ضبابية لدى الناس حول شخصية من يعتدي على أجهزة الصرافات الآلية ، مطالباً الجهات المسؤولة بضبط الأمور. وقال: كان يفترض أن يكون هناك تزامن أمني بين عمليات الصيانة ودوريات الأمن العام من خلال تنسيق مسبق ، كما أنه على البنك أن يكون لديه فريق تقني وأمني يستخدم سيارات تحمل شعار وهوية الشركة ، وأن يكون الموظفون يرتدون زي الشركة ويحملون بطاقتهم التي تؤكد هويتهم ، وطالب العنقري بأن تتأكد لدى الدوريات الأمنية من أنهم في مهمة صيانة لهذا الجهاز ، ووشدد على أنه يجب ألا تكون صيانة أجهزة الصرافات في الليل ، وأن تكون في النهار حماية للموظفين الذين يفتحون صناديق أجهزة الصراف لصيانتها مما قد يغري بعض المجرمين حين يرون جهاز الصراف مفتوحا اعتقاداً منهم بأنهم سيتمكنون من الحصول على ما به من نقود ، وانتقد العنقري إرسال شباب بثياب النوم أو بملابس الرياضة لصيانة أجهزة حساسة كأجهزة الصرف الآلي ، وقال ان ذلك يخلق ضبابية أمام رجال الدوريات وأمام المواطنين ، فمن يدري أهؤلاء الشباب الذين يفتحون صندوق الصراف الآلي فنيو صيانة ، أم لصوص؟ وأشاد العنقري بوعي المجتمع وتنامي حسه الأمني. وطالب العنقري مؤسسة النقد بالتدخل لفرض آلية على المصارف تلزمها بأن تعدل عن هذا السلوك لمصلحتها من الناحية الأمنية . وقال إنه يجب تنظيم العملية وأن تتم في أوقات النهار وأن تبلغ الدوريات قبل تنفيذ الصيانة وأن تلك النقطة ستكون تحت الصيانة من قبل البنك. هذا واتصلت (الرياض) بمسؤولين في مؤسسة النقد العربي السعودي للتعليق على التقرير ، وقد طلبوا توجيه خطاب بهذا الخصوص ، وتمت مخاطبتهم إلا أنه لم يصلنا شيء حتى ساعة إعداد هذا التقرير. فني يقوم بعملية صيانة لجهاز الصراف