أجمل ما في تراثنا المعماري الطيني أنه كان يبنى على حس أمني تكافلي. فالحارة لا يدخل إليها غريب إلا إذا كان قاصداً لمنزل أحد معارفه. وكان الخروج من الحارة صعباً. طبعاً بدون كتل الخرسانة التي نشهدها اليوم ودون شركات حراسة. الصورة التكافلية تلك واضحة في أسطح المباني الطينية. فأكثر السكان يتحدث مع جاره عبر جدار السطح. ويتناولون من بعضهم " الطعمة" أي ما يُهدى من طعام. وتظهر أيضا في السماح بمياه الأمطار تمر بسطح "يسوق" على سطح والآخر على مرزام يؤدي إلى الشارع. والمرازيم الخشبية تتحمل "ضغط" أو "أحمال" ثلاثة سطوح لبيوت متجاورة. وحينما كنتُ في لندن، أردتُ استخراج صورة لبناء قديم عندنا ، وعند ظهور الصور في واحد من استوديوهات الخدمات قالت العاملة على "الكاونتر" : : - - الصور هذه نادرة ....! فما هي تلك الأعواد الطويلة المطلة على الشارع من علو ؟. قلت لها "مثاعب" "مرازيم" ... أي ممرات لتصريف مياه السيول من السطوح. فقالت : - - وتصب على المارة ؟ .. في الشارع ؟ قلت نعم. وهي أيضاً ليست مصارف لمنزل واحد بل لثلاثة أو أربعة منازل "تسوق" من سطح إلى سطح .. ثم إلى الشارع ...! وسألت : ولا أحد يشتكي ؟ قصدي من المارة جراء ابتلال ملابسه من سيول السطوح ؟ قلت أبداً. فقط عليه أن "يباري الساس". ****** وجملة " يباري الساس " أمست تعبيرا مجازيا .وهي التي دفعتني للتعليق لأننا نعاني منها كثيرا وهي التي دائما يتكرر استخدامها لفظا أو معنى ، لتعني الخانع للظلم والاستبداد والصبر على الفساد الإدارى والمالي والقضائي المستشري فى بلاد الشرق .وهذه العباره اللعينة لا أحصي عدد المرات التي سمعتها تُستخدم من قبل عامة الناس . فهو " يباري الساس " عند تعامد الشمس " طلبا للظل ! " أو خوفاً من " البلل " .