أجدني أقترب من الدقّة لو قلتُ إن زمن الدعوات إلى الولائم بدأ يغيب عن ساحاتنا الاجتماعية . ولهذا الاعتقاد أسباب كثيرة من بينها التباعد الجغرافي بين منازل الناس والزحمة المرورية وكثرة تضارب الارتباطات . وفى الماضي كان الناس يعمدون إلى إكرام العزيز أو ضيف الديرة أو القادم من بلاد بعيدة ، بإعداد أطايب الطعام المنزلي ، والاستعداد له قبل يوم أو يومين ، والتأكيد على الجار والقريب والصديق بالحضور. يحصل الداعي على استجابة وافرة تكاد تصل إلى نسبة 100% وتظهر الاستجابة بالترحيب بالضيف وطلب الآخرين " وعدا " من الضيف والجماعة ( قل تم ..!) . وقد يكون من دوافع ذاك الحضور المكثّف – بدرجة أقل - علم الحاضرين بأن الوجبة ستكون لذيذة وشهية و" شغل بيت " . هناك فيه مجال واسع لسماع أخبار الضيف بدقّة وتفصيل ، بدلا من طرح السؤال الشائع الآن : شاأخبارك؟ ، وشلونك ... وش لون اللي جيت منهم . رأينا سلسلة التغيّرات الكبيرة ، والعنيفة في حياتنا الاجتماعية تحدّت وتعدّت تقاليد الضيافة والكرم . تحدّت قصيدة المرحوم الشاعر محمد العبدالله القاضي في طريقة تحضير القهوة العربية ل " راعى الكيف " . حيث تحضير القهوة أمام الضيف كان جزءا مهما من إكرامه . الآن الحافظة " الترمس " حلت محل تلك العناية وأذهبت الرائحة التي " على جمر الغضا تفضح السوق " أي يشم رائحتها المار في الشارع . أما عن تردد الضيوف في الاستجابة لدعوات الطعام ، فمن بين أسبابه توفّر الخدمة وتوصيلها إلى الشقق المفروشة , ولم يعد المار على المدينة بحاجة إلى البحث عن الزاد ، واختفى تعبير " ابن السبيل " ، والمستحق لعناية القريب المقيم ، واختفت " الطعمة " التي كانت تُرسل إلى الجيران من قِبَل من أولموا بمناسبة زواج أو مولود أو ختان . من قائلٍ إننا فقدنا أشياء عزيزة من علامات التلاحم والمحبة وصلة الرحم . وآخر يقول إن المدنية أراحت الناس من العتب " الشرهة " ووفرت لهم الوقت لإدارة الأولويات فى حياتهم . ولكل شيء سلبياته وإيجابياته .