تشرفت بمعرفة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه وشمله بعفوه وغفرانه من خلال انجازاته الواضحة والجليلة لخدمة دينه ووطنه وأمته والإنسانية جمعاء منذ أن ولاه المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز إمارة الرياض حتى أصبح ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام، إذ تولى رحمه الله أهم الملفات وأكثرها حساسية، منها تلك التي تتناول قضايا الشأن الداخلي والخارجي. وكان في كل معالجاته لها ذا رأي سديد وقرار موفق حيث كان الداعم القوي الأمين الحكيم للمساهمة في قيادة المملكة نحو التطور والتألق في شتى الميادين. كان من أهم من ساهم في جعل المملكة ذات حضور فعّال على المستويين العربي والاسلامي بل والعالم أجمع من خلال سعيه الحكيم لحل اشكالات مستعصية مما جعل ذلك محل تقدير واحترام. أعماله الجليلة التي قام بها والمواقف الحكيمة التي اتخذها في أصعب الظروف ساهمت في حل العديد من القضايا الشائكة فنال بجدارة احترام وتقدير العالم أجمع. كانت حكمة سلطان تعلو على أصوات الفُرقة وبواعث التمزق، وكانت الأعناق تشرئب نحوه لبصيرته وحكمته وسعة أفقه وصبره مما جعل هذا الوطن ساحة يقصدها أمة من كل جنس للتسامح وتعزيز الأخوة. كان رحمه الله بعيداً عن المحاور والاستقطابات، وحريصاً على المصلحة العليا للأمة بفضل ما يتمتع به من روح التسامح وسعة الصدر وبُعد النظر واحترام خصوصية الذين عملوا تحت قيادته، لم يجرح المختلفين معه في رأي ولم يقلل من شأنهم، كان له أسلوبه الساحر في الاقناع وفي احتواء من يختلف معه في الرأي بأسلوب الاحترام مقدماً بذلك المثل النادر الذي يقوم على فكرة التحاور للخروج بالأفضل دون الحاجة إلى الشعارات والادعاءات الكبيرة بعيداً عن الاثارة والضجيج. كان لسموه دور كبير في توظيف النعمة التي حباها الله لهذا البلد في بناء هذه الدولة، وتوفير الرفاه والعزة والكرامة لأبنائها، وامتدت أياديه البيضاء إلى كل بقعة عربية واسلامية، فما أكثر المدن التي تشهد له في أرجاء العالمين العربي والاسلامي، وما أكثر المدارس والمعاهد التي أسست والابار التي حفرت والسدود التي أنشئت والمستشفيات التي بنيت والطرق التي عبدت على نفقته في بقاع مختلفة من العالم، تحققت هذه الانجازات بعد توفيق الله ثم بفضل حكمة هذا الاب العظيم سلطان الكريم ونظرته العميقة المتوازنة للأمور. في صباح يوم السبت 17/11/1432ه رأيت أفراد أسرتي وهم على حال غير المعتاد وأعينهم تشي عن نبأ عظيم فسألتهم وأنا في روعة من معرفة الاجابة عما حدث ماذا أصابكم ماذا حل بكم؟ وإذ بدموعهم تسبق كلامهم، وانهمروا في البكاء قائلين مات الامير سلطان. في تلك اللحظة لم أكن قادراً على تصور شدة وقع النبأ الذي تركني ذاهلاً.. رحل سلطان الأمة رحل ولي العهد. وقع هذا النبأ علي وقع الصاعقة انشلت معها الحركة وعم السكون المكان، بدأنا نفيق من هول المصيبة وفداحة الفجيعة، قلت لهم سلطان لم يمت، فالموت ليس بالانتقال من الحياة الدنيا الى الحياة الآخرة التي نرجو أن تكون له أحسن من هذه الدنيا.. بل الموت هو موت الذكر الحسن مع موت الجسد.. لقد فقدنا والدا لكل فرد منا، أياديه البيضاء تصل بالخير والعطاء لكل محتاج في أقصى بقاع العالم. آمنت أنها إرادة الله تتجلى قاهرة لتتركنا حيارى في تعليل سرها؛ فإنّا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى، وإن القلب ليحزن والعين لتدمع وإنا على فراقك ياسلطان لمحزونون.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل فسبحان الحي الذي لا يموت.. إن الموت لمصيبة كما ذكر الله في كتابه العزيز.. فكيف إذا كان الفقيد هو سلطان الخير فالمصيبة اكبر والخطب أعظم..نعم الموت حق، والنفس المطمئنة ترجع الى ربها راضية مرضية. رحل عنا من أدرك الاحاسيس الشعبية، لبى احتياجاتها، وسع خيراتها، كان كالبحر في عطائه، وفياضاً بمشاعره الأبوية نحو أبناء وطنه، ما أعظم الذكر الذي خلفه، وما أعلى البناء الذي شيده، وما أعظم المسؤوليات الملقاة على أعناق من اتى بعده لحمل الأمانة، ومواصلة الرسالة، وتعزيز الإنجاز. رحل عنا الأب الحنون، صاحب السريرة النقية، والعلانية الصافية والصادقة والكلمة الطيبة الشجاعة، رحل عنا معلم الانتماء والولاء للوطن والواجب. ولا أدل من حب الأمة لسلطان ما نراه في كل مجلس ووسيلة إعلام من ذكر مآثر الفقيد ومواقفه الانسانية وإنجازاته، مما يجعل عيناي تفيض بالدمع حزناً وكمداً، وهو دعاني لأكتب بعضاً مما سمعت أو شاهدت عن مآثر سموه وما أشعر به تجاهه. يا ترى ما الذي نلته من الامير سلطان بن عبدالعزيز حتى اغرورغت عيناي بالدمع بهذا الشكل في حقه؟ سألت وسألت، وتقصيت، واحترت عسى أن أجد إجابة على ذلك، لا أدري ولا أملك تفسيرا لذلك؛ حتى عرفت...أنها المحبة التي غرسها الله لهذا الرجل في قلوب الناس، فمن أحب الله نادى الله في خلقه وملائكته...أني أحببته فأحبوه. رحمك الله يا سلطان، وجعل قبرك بداية جنتك وغفر لك وتجاوز عنك، وبارك في خلفك..وأحسن الله عزاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله من كل مكروه وأعانه على تحمل هذا المصاب الجلل وألهمه وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، واخوان وأبناء الفقيد والشعب السعودي الصبر والسلوان إنه على كل شيء قدير، وعزاؤنا انك باق فينا وممتد في إخوانك الكرماء وابنائك البررة وشعبك المحب. نودعك يا سلطان وأنت ترحل من دار الفناء إلى دار الخلود بالجسد، لكنك ستبقى حاضراً فكراً ومدرسة وشعلة مضيئة لا ينطفىء عطاؤها وعملها الطيب الباقي معنا تلهمنا الصبر والسلوان لرحيلك أيها الأب العزيز، وتلهمنا الاستنارة برؤاك كلما اختلطت علينا الرؤى، أو اختلفت بنا الطرق. لله ما اعطى ولله ما اخذ، وكل شيء عنده بأجل، واننا بقضاء الله راضون، ولما أصابنا محتسبون، ولا نقول إلا ما يرضي الله عز وجل «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون». صدق الله العظيم .