مهما تحدثنا وكيفما تحدثنا عن فقيدنا الغالي الأمير سلطان بن عبدالعزيز تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه، فإننا لن نوفيه حقه من الوصف والإكبار وعظم المكانة. ذلك لأنه شخصية فذة واستثنائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهو عوضاً عن كونه هامة من هامات هذا الوطن الشامخ ورجل دولة من الطراز الأول وقائداً عسكرياً محنكاً ومتحدثاً لبقاً وفطناً ومفوهاً، فإنه أيضاً رجل حليم وصبور ومتسامح وذو نظرة ثاقبة. أما فيما يتعلق بجوانب البر والإحسان فإنه بقدر ما قيل عنه بأنه جمعية خيرية متنقلة على امتداد هذا الوطن المبارك وخارجه في أنحاء متفرقة من العالم، هو يمثل أيضاً مدرسة حياة متنقلة تحمل بين جوانحها وجوانبها مختلف العلوم النافعة في العلم والأدب والثقافة ومكارم الأخلاق وحسن التدبير والتوجيه، لذلك فلا غرابة أن يتقلد - رحمه الله - أكثر من منصب وزاري حساس، ويترأس في الوقت ذاته عددا كبيرا من اللجان ذات الشأن التنموي والتطويري والاصلاحي، فضلاً عن تمثيله المملكة لكثير من اللقاءات والمؤتمرات والمناسبات الدولية وما إلى ذلك من المشاركات الأخرى ذات القرارات المصيرية، التي تخدم بلادنا ومجتمعنا المحلي والعربي والمسلم أينما كان. إنه سلطان الخير والإنسانية وصاحب الأيادي البيضاء والابتسامة البهية التي لا تفارق محياه حتى في أحلك الظروف، وإذا هو قد ودعنا اليوم بجسده - وهذه سنة الله في خلقه - إلا أنه سيظل متربعاً في قلوبنا جميعاً ما بقيت هذه الحياة محبة وإجلالاً وتقديراً، ولأننا نحمل أمانة الكلمة التي نحتسب أجرها عند الله فإنه خليق بنا أن نقول هنا ضمن هذا السياق المقتضب إنه لم يسبق لنا أن قرأنا أو سمعنا على مر التاريخ الإنساني أن شخصاً قد توفي وقد صلى عليه ملايين من البشر وعلى مستوى الكرة الأرضية، وفي وقت واحد مثل الأمير سلطان، وهذا ما نحسبه تفرداً ومنة عظيمة عليه من لدن المتفضل بالنعم جل جلاله، وليتصور الجميع مع هذا كله كم من الصدقات الحسية قد جناها هذا الرجل الأنموذج في البذل والعطاء والتضحية من وراء ابتسامته المشرقة، طوال حياته لما يزيد على ثمانية عقود من عمر الزمن، التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك صدقه، وهذا ما أكسبه - في واقع الأمر مع بشاشة الوجه وحسن التقدير - محبة الناس له إلى درجة أنه انساب إلى قلوبهم دونما مفاتيح سوى هذه المفاتيح الجميلة والعطرة، فسمات الأمير سلطان وأريحيته، إضافة لما قام به من أعمال جلية ونافعة في مختلف مناحي الحياة أكثر من أن تستوعبها مثل هذه الصفحة، وإن شئتم فقولوا صفحات أو مجلدات، وهذا ما يمكن أن يدركه كل متابع لهذا العمل الخيري والنبيل، وذلك من خلال فقط تلك القوافل التي حطت بثقلها من الغذاء والدواء والملابس والأغطية والفرش ولسنين طويلة مناطق المملكة لتصل إلى كل فقير محتاج ومتضرر، وكذلك خارجها لتصل أيضاً إلى كثير من الناس ممن يعانون الفقر المدقع وخطر المجاعة والكوارث الطبيعية. قال الله تعالى: {ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث، ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به) وهذا ما نعتقده مجتمع في الأمير سلطان الذي لا نملك له مع هذه العجالة إلا صادق الدعاء بالرحمة والمغفرة والمنزلة العظيمة في جنات الخلد والبقاء.