تفتتح أجراس رئيس التحرير، الشاعر سيف المري، العدد 78 من مجلة دبي الثقافية، بمقالة قصصية، عنوانها "ما زال التاريخ يترقب"، حاكياً عن لحظة يتأنسن فيها التاريخ، فيلبس معطفه متدثراً من زمن الزمهرير وأحداث من نار، فيمسك القلم ولا يقدر على كتابة شيء، ليس لنقص، بل لأن الرياح تهب دون اتجاه واضح: "وكلما مد التاريخ أصابعه ليلتقط القلم ويشرع في الكتابة، ارتجفت أصابعه فرقاً وفارق موضعه وعاد إلى العتمة ليطمئن أنه ليس في المشهد إلا ما يبصره، وأن ما يراه بأم عينه واقع وليس أحد الأفلام التي اعتادت السينما على إنتاجها وعرضها في مواسم معينة ثم إعطاء الجوائز لأبطالها الذين أتقنوا أداء أدوارهم أيما إتقان". ويرسم مدير التحرير، الكاتب نواف يونس، بالكلمات، ما تشير إليه دلالات اللونين الأبيض والأسود، وما تختزنه بقية الألوان من أحداث، تتسارد في العمق الذاتي من الحنين الذي يغلب عليه اللون الأزرق، ثم تنعطف نحو الأرض، وكأن الخطوط تبرز من اللوحة الافتراضية، لتصل إلى تلك الدرامية المتصادمة بين الشجن الذاتي والوطن والعالم المتسارع نحو الحيرة: "الأرض مستباحة والخيانات واضحة، مزجت عدة ألوان، أصبحت لوناً كريهاً قاتماً لم آلفه من قبل.. بدأت اللوحة تبرز، تمزق الإنسان في لحظة اصطدام المحدود باللا نهائي". وما بين أسئلة الحيرة والواقع، تأخذنا الأبواب الثابتة والمتحركة، إلى عوالمها، فنزور في "بانوراما"، كلاً من "الأقصر"، و"بوسان"، وننعطف إلى "في الصميم"، لمناقشة العديد من القضايا، منها: رواية الإحساس بالنهاية وبوكر 2011، ولماذا نال توماس ترانسترومر جائزة نوبل؟ وملتقى الشعر من أجل التعايش السلمي بين البابطين ودبي، مي زيادة، رواية عزازيل، وهل اغتيال أكينو هو الذي أشعل الثورة الصفراء؟ وفي "دراما الحياة"، سيفاجأ القارئ بأن المسلمين هم الذين حموا اليهود والمقاومة الفرنسية من النازية، وما إشكاليات الدراما العربية في تناولها للسير الذاتية؟ وتفرد المجلة ملفاً خاصاً بجائزة دبي الثقافية بعد مرور 12 عاماً على تأسيسها، وكيف استقبل عامر الصفار نبأ فوزه، ولماذا كانت رشا فاضل واثقة من الفوز؟ وتنعى المجلة محمد أحمد العجيلي الفائز في الجائزة الثانية، في مجال القصة، وتسأل عن دور الجائزة في تقديم الفائزين للعالم، يمنيين، مصريين، سوريين، وعرباً؟ وما رأي المشهد الثقافي العربي بهذه الجائزة؟ وتأتي "أجنحة الخيال" متجاوزة القارات، وتناقش "سطور مضيئة" تغييب دور المثقف وراء حالة الجزر الثقافية في فلسطين، وداعاً خيري الشلبي، بيوت الشعر، خطيب بدلة والسيناريو القصير جداً، إبراهيم جلال، ماريو بارغاس يوسا، الجزائرية زهور ونيسي والمشروع الثقافي العربي، وتنتقل بنا المجلة إلى الاجتماع الثاني لرؤساء تحرير المجلات الثقافية الخليجية الذي سيكون في دبي، بدعوة من رئيس تحرير مجلة دبي الثقافية الأديب سيف المري، بعدما تمّ بنسخته الأولى في الدمام "ملتقى دارين الثقافي"، وتناول من خلاله، وعبر جلسات مكثفة، واقعَ ومستقبل المجلات الثقافية في دول مجلس التعاون، وكيفية مواجهة التحديات التي يفرضها التقدم التكنولوجي، والعمل على تطوير أداء المجلات الثقافية الورقية، تقنياً، فنياً، وموضوعاتياً، والاهتمام بالشعر والسرد والتراث والنقد، والتنوع الثقافي بشكل عام، ولقد حضرت دبي الثقافية إلى جانب مجلات عديدة منها: الرافد، البحرين، العربي، المعرفة، جذور، علامات، الدوحة، الجسرة، نزوى، آفاق التراث والثقافة، وغيرها. وفي "ألوان وظلال"، يحضر رحيل النحات العراقي محمد غني حكت، وملامح القاتل في ألوان فاتح المدرس، وفرنسا تحيي ذكرى يوجين دولاكروا، وقد نسمع صوت أسمهان المميز في "إيقاع الروح"، وكذلك الشيخة "الريميتي" عرابة الراي الجزائرية. ونعود إلى الوراء مع الزمان في "تراث الكاميرا" لنلتقي فاتن حمامة، ونقابل مؤسس وكالة الأنباء العراقية محسن حسين، ثم نرجع إلى "الثقافة في شهر"، لنقرأ عن أحداث معاصرة: سيف المري يستقبل الأعرج والمزغني وعبد الله، مسرح دبي الشعبي يكرم الفنانة مريم سلطان، وتكريم يحيى الحاج في مهرجان دبي لمسرح الشباب، وطموحات المفكرين بين أيدي وزراء الثقافة في مجلس التعاون. وطبعاً، مع آراء جذابة وعميقة لكتّاب المجلة، التي تتمنى الشفاء العاجل لأدونيس. لكن، ماذا في دنيا الكتب؟ ونادي الأقلام؟ فهذا ما سنتركه لقارئ دبي الثقافية، الذي تهديه المجلة في هذا العدد كتاب "الرواية والاستنارة/ د. جابر عصفور"، الذي يناقش الوعي المدني، وتمثيلات المدنية المتحولة، وهل غواية التحديث ضرورة أم فرض؟ وما علاقة المرأة بنشأة الرواية؟ وما دور الترجمة وإنطاق المسكوت عنه؟ أليجوريات النهضة، إشكال الهوية، الحقيقة والعبرة. ولينتظر محبو المجلة الإصدار 56 من مكتبة دبي الثقافية، قصائد مختارة بعنوان "دون أن أرتوي".