القذافي قال في أحد خطاباته الشهيرة ما بعد قيام الثورة : إنه في حال سقوط نظامه فإن إسرائيل لن تكون في مأمن من أي هجوم من الجماعات الإسلامية من المغرب العربي ، ما يعني أن زعيم الثوار والثوريين كان يقوم بدور رئيس لحماية أمن إسرائيل ، وهو الذي لم يوفر جملة من قاموس الشتائم لم يستخدمها ضدها ، الأسد زعيم الممانعة العربية ، وفي مستهل الثورة السورية وعلى لسان رامي مخلوف هدد هو الآخر بنفس اللغة ، ليأتي بعدئذ ويؤكد (بعظمة لسانه ) في آخر أحاديثه حتى الآن ، أن المنطقة في حال زوال نظامه ستشهد زلزالًا لن ينجو منه أحد في إشارة واضحة لأمن إسرائيل ، وباعتراف ضمني بأن بقاء نظامه هو الضمانة الأكيدة لأمن الدولة العبرية . حسني مبارك ، وللحق .. لم يحاول في خطاباته الأخيرة أن يبعث بمثل هذه الرسائل ، ربما لأنه مارس هذا الدور علناً وعلى المكشوف ، وكان آخر تلك الممارسات التفكير في بناء سياج معدني لمحاصرة الغزيين . الطامة الكبرى أن هذه الزعامات كانت الأكثر توظيفاً للقضية الفلسطينية في خطابها السياسي والإعلامي ، ولا أحد يستطيع أن يحصي كم وردت مفردة المواجهة في خطابات نظام آل الأسد كمثال ، رغم أننا ما عدنا نعرف المواجهة مع من ؟ ! ، فيما هي الآن تعترف وبملء أفواهها بأنها كانت تقوم بدور الكتائب الأمنية لحماية أمن إسرائيل ، في حين ظل إعلامها طوال الوقت يتفرغ لشتم الآخرين ووصفهم بالإمبريالية وما إلى ذلك .. علي صالح كان الخاسر الوحيد في استخدام هذه الوصفة للبقاء على كرسيه بحكم الجغرافيا السياسية التي يستحيل أن تجعل له دورا في حماية أمن أبناء العم ، لذلك لم يجد بداً من الإشارة في أحد خطاباته إلى أن ما يجري في بلاده يدار من غرف عمليات في واشنطن وتل أبيب ، ولعله اعتذر بعد ذلك في سياق بحثه عن ضمانات توفر له الخلاص من مصير مماثل لمصير من سبقوه . هذا السباق المشين والمفزع للاعتراف بحماية أمن إسرائيل ، بعد مواجهة عزرائيل ثورات الشعوب ، وبعد ما يزيد على نصف قرن من النضال والضلال الإعلامي والخطب السخيفة التي كانت تهدد وتتوعد برمي إسرائيل في مياه المتوسط ، يكشف إلى أي مدى تم توظيف قضية فلسطين في مزاد البقاء على كراسي السلطة ، بعدما حلت عاصفة الثورات في هذه الأرجاء ، وطيّرت الأقنعة لتنكشف الوجوه ، ويستبين الفارق ما بين اللسان الإعلامي المناضل والممانع والمقاوم ، والوجوه الحقيقية لتلك الأنظمة التي كانت تختبئ خلفه .. بعد أن : أدمت سياطُ حزيران ظهورهمُ .. فأدمنوها وباسوا كفّ من ضربا سقوا فلسطين أحلاماً ملونة وأطعموها سخيف القول والخطبا كما كان يقول " نزار " .. ألا تستحق هذه الثورات أن توصف بكرسي الاعتراف ؟