وكان يصعب على المتابع أن يربط السياسة بالصحة العامة للشعوب والكساد والسنين العجاف وقلة الخيرات. إلا إن ما يواجه أوربا الآن من فرض سياسات تقشف قد لا تطال الأكل والشرب والمتعة، بل والصحة العامة. فقد حذرت دراسة جديدة أصدرها باحثون بريطانيون من تأثر الصحة العامة لليونانيين بإجراءات التقشف والاستقطاعات التي قامت بها الحكومة بسبب الأزمة المالية. وقال الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة لأنسيت العلمية أن خفض ميزانيات المستشفيات التي تعاني ضغوطا ساعدت على تفاقم الأوضاع. وقرأنا كيف الإجراءات التقشفية التي اتخذتها حكومة اليونان التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة أثرت بشكل سلبي على الخدمات الصحية. ويكاد يتفق العارفون أن تخفيض ميزانيات المستشفيات بنسبة معينة في أي بلد يؤدي إلى ظهور حالات نقص في الإمدادات الطبية ولجوء المواطنين إلى تقديم الرشاوى لتجنب قوائم الانتظار في المستشفيات التي تعمل فوق طاقتها. وأظهرت مقارنة أجرتها هيئة "إحصاء الدخل وظروف المعيشة في الاتحاد الأوروبي" بين عامي 2007 و2009 أن هناك زيادة قدرها 15 في المائة في عدد الأشخاص الذين لا يذهبون لزيارة الأطباء، وذلك بسبب قوائم الانتظار الطويلة". كما لوحظت زيادة تقدر بحوالي 14 في المائة في عدد الأشخاص الذين يعانون من تردي حالتهم الصحية. وأشارت دراسات وإحصاءات تعلقت بالتقشّف إلى زيادة عدد حالات الانتحار بنسبة 25 في المائة العام الماضي مقارنة بأعوام سبقت لم تُفرض فيها حالة تقشف، كما زادت حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة الإيدز بسبب إقبال الشباب على تعاطي المخدرات ولجوء البعض إلى العمل في الدعارة. وبينما يرى خبراء الصحة العامة أن الصورة الموجودة الآن في بعض أنحاء أوربا تثير القلق، إلا أنهم أكدوا أن الأمر قد يستغرق عدة سنوات لتظهر الآثار السلبية بشكل واضح على الصحة العامة. وقال الدكتور الكسندر كينتيكلينيس من جامعة كامبريدج البريطانية لبي بي سي " قد يستغرق الأمر عدة سنوات لتظهر الآثار الخطيرة والواضحة للأزمة، فعلى سبيل المثال استغرق الأمر خمس سنوات في الولاياتالمتحدة لتظهر آثار الكساد العظيم على الصحة العامة". وهكذا ترون أن السياسة مرتبطة دائما بمسارح أسى وضباب هموم لم تكن موجودة لولا وجود الرجال السياسيين.