مع تزاحم مسؤوليات الحياة, والتباعد المكاني في المدن الحديثة، وانطلاق ثورة التقنية. أخذت أواصر القربى والمودة تتقلص في هذا الزمان شيئا فشيئا, ولم يعد مستغربا أن يمر الشهر دون أن لا يزور الأبن والده, ويمر الشهران والثلاثة والعائلة لا تجتمع ولا يسأل بعضها عن بعض والله المستعان. في زمن ليس بعيداً حين كنا نعيش في مدننا الصغيرة, كان أهل الحي كأنما يعيشون في بيت واحد, لا تفرقهم أسوار ولا أبواب مغلقة, الجميع يعرفون بعضهم البعض يقومون بالضيف جميعا ويتسابقون للوقوف مع من أصابته مصيبة ولا يفارقون المريض, بل وفوق هذا كله من صور التواصل والتراحم بين الجيران والأقارب مما يصعب وصفه ويعرفه أبناء جيلي جيداً، وصار من قصص الماضي السحيق التي نحكيها ونروي جمالياتها لأحفادنا, وبعضهم غير مصدق مع حياة الأبواب المغلقة التي يعيشونها، والتي يتواصلون فيها بطرق لم نعهدها ولا نعرفها، طرق جامدة جمود قلب علاقات وروابط هذا الزمان تتمثل في التواصل عبر رسائل الجوال أو عبر مواقع الإنترنت التي وضعتها بعض الأسر لتكون همزة وصل بين أبنائها في وقت سادت فيه القطيعة. أسوق هذه المقدمة لأشرح مشاعري حين ورد لمسامعي قصة أحد الأقارب, وحسن تربيته وزوجه الكريمة لأبنائهم, ووجدت نفسي راغبا بالكتابة عن موقف العزة والشموخ من أحد أبنائهم, لما تحمله من معاني وفاء ورحمة وبر بالوالدين, في وقت أصبحنا نسمع كثيرا عن قصص العقوق والعصيان وجحود الوالدين –والعياذ بالله- ولذلك حين نسمع قصة وفاء وبر بالوالدين, نحمد الباري عزوجل ونجزل له الثناء على الخير الذي مازال باقياً في أبناء هذه الأمة, وأن فيها من يعمل بقوله تعالى ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ). ففي صورة من أروع وأنبل الصور والمعاني, تبرع أحمد ابن الأخ ورجل الأعمال المعروف عبدالعزيز بن عبدالرحمن التركي لوالده بجزء من كبده لينقذ حياة والده, الذي عارض في بادئ الأمر إلا أنه رضخ لرغبة ابنه وبموافقة والدته ورضاها, وهذا والله من حسن التربية فلله درهم من والدين, حيث أجريت لهما العملية داخل المملكة وتكللت بفضل من الله ومنته بالنجاح. إن هذا الحديث قادني للتوصية بحسن تربية الأبناء, وكما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في الحديث (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم ), فالحديث الكريم يصف حالة متكاملة للبيت الاسلامي الراقي, ودروسا في البر والعفاف ويرسخ معاني العطاء مع الآباء وحسن معاملتهم. إن ما قام به الابن أحمد جزاه الله خير الجزاء هو امتداد لما يحمله والده من نبل أخلاق وحسن معاملة مع الجميع وبر بوالديه رحمهما الله, وشهامة هذا الأب قادت فلذة الكبد لأن يتبرع بثلثي كبده لوالده. إنه درس يحكى لكل ابن عن بذل النفس والمال لأجل الوالدين, وقصة تحمل العبر لكل والد أهمل تربية أبنائه ويرجي منهم البر بعد أن بلغ من الكبر عتيا. شكرا لك يا أحمد على حسن صنيعك لوالدك, وشكرا لوالديك على حسن تربيتك, وأيضا شكرا لك ياخادم الحرمين الشريفين على أن اهتممت بتطوير قطاع الصحة ونستبشر كل يوم خيرا بتطور هذا القطاع المهم إلى أن تهيأت بفضل من الله مثل هذه العمليات الحرجة في بلادنا, وللطاقم الطبي على ماقاموا به وعلى رأسهم معالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة, وأرفع آيات التبريك لعائلة آل التركي وفي مقدمتهم أشقاء وشقيقات الأخ عبدالعزيز على شفائهما, والتهنئة لهم على هذا الأبن أحمد الذي قدم نموذجا مشرفا لمعاني البر والرحمة وأسأل الله أن يكثر من أمثاله, وأن يجزيه عن والديه وأهله وإخوانه خير الجزاء.