تساؤل مهم يجب في اعتقادي أن نطرحه انطلاقاً من أهمية المسكن ودوره في استقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه قطاع الإسكان بالمملكة في الوقت الحاضر، وبالذات نقص معدل العرض للمساكن، وزيادة أسعار الوحدات السكنية وتكاليف بنائها، وارتفاع قيمة إيجار تلك الوحدات بمختلف أنواعها، وذلك من أجل معرفة الأوجه المتعددة لهذه القضية، والعوامل الرئيسية المكونة لها، وتتبع مصادر تأزمها، وهل منابع تلك المصادر محلية أم وافدة، ليتسنى اقتراح الحلول الملائمة لمعالجتها. إن الحقيقة التي لا تخفى على الجميع هي أننا دولة تعتمد بشكل كبير وبصورة تتزايد على الأيدي العاملة الوافدة، وبالذات حين ترتفع معدلات النشاط الاقتصادي لدينا بين فترة زمنية وأخرى، وهذه الأعداد التي تتدفق من الخارج ويصل مقدار نموها في بعض السنوات إلى أرقام قياسية قد تبلغ 8% تؤدي بلا شك إلى الارتفاع الحاد في الطلب على الاحتياجات الأساسية لهؤلاء الوافدين، ومنها المسكن بطبيعة الحال، ومؤشر إظهار هذه الحقيقة يبرز بشكل واضح في عدد الوحدات السكنية المشغولة بأسر غير سعودية، التي تبلغ وفق البيانات الإحصائية 1.4 مليون وحدة سكنية وتمثل نسبتها 30% من إجمالي المساكن في المملكة التي تتجاوز 4.6 ملايين وحدة سكنية. إننا حين نطلع على حجم الطلب على الوحدات السكنية وفقاً لخطة التنمية التاسعة الحالية والذي تقدره أرقام هذه الخطة بنحو 1.2 مليون وحدة سكنية خلال سنوات الخطة الخمس، ندرك على الفور أن مقدار هذا الطلب من الوحدات السكنية متوفر وقائم لدينا، بل وربما يفوق مقدار هذا الطلب، ولكن جار إشغال هذا المقدار من الوحدات السكنية من قبل الأيدي العاملة الوافدة وأسرها، أو بمعنى أدق قيام شركات ومؤسسات القطاع الخاص بمنافسة المواطن في الحصول على الوحدات السكنية المتاحة له في السوق المحلي، وامتصاص نسبة كبيرة من عرض المساكن بهذا السوق لتوفره للأيدي العاملة الوافدة التابعة لها، وعدم إسهامها إلا بقدر يسير في توفير هذا الاحتياج من المساكن للعاملين لديها، فالبيانات تشير إلى أن نسبة الأسر غير السعودية التي تقيم في وحدات سكنية مستأجرة ، وليست عائدة للشركات والمؤسسات التي يعملون بها تبلغ حوالي 62% وهو ما يتجاوز ثمانمائة وستين ألف وحدة سكنية، اقتطعها القطاع الخاص من السوق المحلي لصالح الوافدين العاملين لديه، وساهم بالتالي في شح المعروض من تلك الوحدات السكنية في هذا السوق ومن ثم في رفع أسعار تأجيرها، نتيجة ما سببه من خلل في التوازن بين معدلات العرض والطلب لهذه الوحدات. إن النمو السكاني في المملكة الذي يقدر بنحو 2.4% سنوياً، حين مقارنته بنمو معدل العرض من المساكن الذي يبلغ متوسطه حالياً 2.2%، يفضي إلى استنتاج أن هذا الفارق البسيط بين المعدلين لا يمكن أن يؤدي إلى حدة الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذه القضية في الوقت الحاضر، وبالتالي ليس هناك من مؤثر جوهري سوى الزيادة في معدلات نمو الأيدي العاملة الوافدة وبالذات خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت فيها المملكة نشاطاً اقتصادياً واضحاً، وفي الحقيقة أننا حين نمعن النظر في الانشطة الاقتصادية التي يعمل بها غير السعوديين نجد أن ثلاثة أنشطة اقتصادية فقط هي من تضم نحو 50% من تلك الأيدي العاملة الوافدة، وتلك الأنشطة هي تجارة الجملة والتجزئة وتمثل (24%)، يليها نشاط التشييد والبناء ويمثل (16%)، فالصناعات التحويلية وتمثل (10%)، من هذا الواقع التي تعبر عنها تلك الشواهد يمكن لنا إن أردنا التركيز على الأهداف الأساسية المطلوبة لحل مشكلة الإسكان لدينا، وهي زيادة المعروض من المساكن، وتعزيز دور القطاع الخاص في توفير الوحدات السكنية، أن نوجه تلك الأنشطة الاقتصادية الثلاثة على الأقل لتوفير سكن اقتصادي لمنسوبيهم من غير السعوديين، والذين ربما يتجاوز عددهم المليوني وافد، وذلك على نحو تدريجي من خلال برنامج ينفذ على مدى محدد من السنوات، ودعمهم بالقروض الحكومية متوسطة من أجل بناء تلك الوحدات السكنية الاقتصادية للعاملين لديهم في مختلف مدن المملكة التي تعاني من حدة هذه القضية، فهذا مما سيتيح توفر أكثر من أربعمائة ألف وحدة سكنية للمواطنين بعد إخلائها من الوافدين في السوق المحلي، على مدى تلك السنوات الذي ينفذ فيها هذا البرنامج ويسهم بشكل مؤثر بلا شك في خفض أسعار تأجير الوحدات السكنية، ويؤدي في مرحلة تالية لخفض تكاليف بنائها، هذا بخلاف دوره الإيجابي الجانبي في تيسير حركة النقل لهؤلاء الوافدين بين مقر سكنهم وأعمالهم.