يلمس الجميع لدينا في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالذات في المدن الرئيسية إرتفاعاً حاداً في أسعار المنتجات العقارية، سواء كانت الوحدات السكنية التي تطرح للبيع في سوق الإستثمار العقاري، أو التي يتم عرضها للإيجار، إلى درجة أنها وصلت إلى معدلات يندر أن يكون شهدها السوق العقاري المحلي من قبل، ويعزو الكثير ممن يعملون في تقديم تلك المنتجات للسوق إلى ارتفاع قيمة الأراضي السكنية بالدرجة الأولى، إضافة إلى أسعار مواد البناء، وأجور الأيدي العاملة ولكن بمرتبة أقل في مقدار التأثير على هذا الجانب، لا بل إن بعضهم يشير إلى أن قيمة الأرض أضحت تمثل نصف قيمة التكاليف الإجمالية لبناء الوحدة السكنية، بدل أن تمثل الثلث وفق المعدلات المعروفة في هذا المجال، ويبررون ارتفاع أسعار الأراضي السكنية إلى القلة في العرض مقابل الطلب، وأن السبب كما يعتقد العديد منهم يعود لندرة توفر الأراضي السكنية، وليس لشح المخزون منها لدى كبار ملاك الأراضي، والمضاربون في السوق العقاري، وهو إعتقاد يحتاج إلى شيء من التحليل والتفنيد حتى نقف جميعاً على حقيقته. فالاقتصاديون كما هو معروف ينسبون إرتفاع أسعار الأراضي بوجه عام، ومنها السكنية إلى عاملين أساسيين، هما الندرة والموقع من حيث القرب وسهولة الوصول إليه، وحين نسعى لتلمس العامل الأول على الأقل منهما، الذي هو مدار التساؤل، وأعني ندرة وشح الأراضي السكنية، نجد أن هذا العامل لا تدعم وجوده لا الشواهد المرئية، ولا الإحصائية، فنحن نرى أمام أعيننا حين نسير في طرق وشوارع مدننا الرئيسية، وبالذات في أطراف تلك المدن، وجود مساحات شاسعة من الأراضي التي تم تطويرها وإيصال شبكة المرافق الرئيسية إليها، إلا أنها بقيت ولسنوات بدون إقامة إي وحدة سكنية على قطع الأراضي السكنية التي بها، وإنما ظلت تلك القطع من الأراضي سلعة للمضاربه في السوق العقاري، وحين نصرف النظر عن تلك الشواهد المرئية بحثاً عما يجعلنا نجزم بحقيقة ذلك، فنتامل في البيانات والأرقام الإحصائية في هذا المجال، نجد أن النتائج التي تتداعى أمامنا منها أوضح وأدق بكثير مما تراه الأعين من شواهد مرئية فالأرقام وفق ما تضمنه الكتاب الإحصائي المنشور عن إدارة الإحصاء والبحوث بوزارة الشئون البلدية والقروية للعام الهجري 1430 ه تشير إلى أن مساحة الأراضي السكنية المستعملة، أي التي عليها مبان سكنية قائمة حتى نهاية ذلك العام، تبلغ ما يربو على 7800 كم2، وهذه الأراضي، كما نعلم يسكن فيها نحو 27 مليون نسمة من المواطنين والمقيمين، وتحتوي على أكثر من 4.6 مليون وحدة سكنية، وهذه الإحصائيات حين ننظر إليها من زاوية الكثافة للسكان والمساكن على تلك الأراضي السكنية نجد أن معدلات تلك الكثافة تبلغ نحو 34 شخصا، وحوالي 6 وحدات سكنية في الهكتار الواحد، وهو معدل يقل عن النصف تقريباً مقارنة بالمعدل القياسي لمدن المملكة بوجه عام، أي أن الأراضي السكنية المستعملة حالياً في كافة مدن المملكة لم تستغل سوى نصف طاقتها الإستيعابية، وبالتالي توفر إمكانية رفع تلك الطاقة لتصل المقدار القياسي لها ليبلغ استيعابها من السكان أكثر من 56 مليون نسمة، ومن المساكن ما يزيد عن 9 ملايين وحدة سكنية على الأقل، ما هو أدهى من ذلك أن مساحة الأراضي السكنية المخططة، التي لم يجر إستعمالها حتى الآن في مدن المملكة، وتتوفر في قدر جوهري منها شبكة المرافق الأساسية تبلغ أكثر 5900 كم2، وهو ما يعني إمكانية إستيعابها وفق المعدلات القياسة لمدن المملكة من السكان لأكثر من 42 مليون نسمه، ومن المساكن لما يزيد على 7 ملايين وحدة سكنية، فهل لدينا بعد تلك الأرقام التي تتحدث عن نفسها من يقول أن لدينا شح في الأراضي السكنية تستوجب ذلك الإرتفاع الفاحش في أسعارها، تلك الأراضي التي تتطلع التنمية في المملكة أن توظف لصالح المجتمع، لكن للأسف أن أفراداً معدودون منا غلبوا مصالحهم أما ذلك، فجعلوها عائقاً أمام تحقيق أهداف تلك العملية.