لا يكاد أحد منا في مرحلة ما من حياته، طالت أم قصرت، إلا وتشاء الظروف أن يقيم في وحدة سكنية مستأجرة، لهذا الأمر تعتبر المساكن التي تعد لغرض التأجير في سوق الإسكان، متطلباً ضرورياً لشريحة ليست بالقليلة من الناس، حيث تحتاجها الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط وكذلك العائلات التي تفقد ملكية مساكنها لظرف ما من الظروف، إضافة إلى فئة أخرى يستلزم عملها التنقل بشكل دائم، هذا بخلاف المقيمين لفترة زمنية محدودة من الوافدين، أسراً كانت أو أفرادا، كما هو الحال لدينا في المملكة، من ثم لا تقل الأهمية الاقتصادية لهذا النوع من الوحدات السكنية عما تحظى به عناصر البنية الأساسية الأخرى للتنمية في المجتمع. هذه الوحدات السكنية التي تتاح لمن يرغب استئجارها تصنف من حيث تكاليف الحصول عليها إلى نوعين، متيسرة لا يضطر لمن يحتاج السكن بها لإنفاق أكثر من ثلاثين في المائة من دخله لاتخاذها مكاناً لإقامته، أو مكلفة لا يتحمل دفع قيمة إيجارها إلا أصحاب الدخول العالية وتتفاوت بالطبع نسبة تلك الوحدات المتيسر استئجارها من حين لآخر تبعاً لظروف سوق الإسكان وارتفاع معدلات الطلب على وحداته، وما يلقيه ذلك من أثر على اسعاد تلك الوحدات من ارتفاع أو انخفاض، وزيادة معدلات الوحدات السكنية المتهالكة التي تخرج سنوياً من السوق. الوحدات السكنية المؤجرة لدينا في المملكة تبلغ نحو 2.4 مليون وحدة سكنية، أو ما تمثل نسبته 57 % من إجمالي الوحدات السكنية المملوكة والمستأجرة التي يتجاوز عددها حالياً 4.2 ملايين وحدة سكنية، وكما لا يخفى على الجميع أن تلك النسبة العالية من الوحدات السكنية المؤجرة، التي تكاد تصل إلى ضعف المعدلات العالمية في هذا المجال، تعود للنسبة المرتفعة من الأيدي العاملة الوافدة التي تشغل ما نسبته 54 % من إجمالي الوحدات السكنية المؤجرة ويزيد عددها على 1.3 مليون وحدة سكنية. ما يطرح من تساؤل عن تلك الوحدات السكنية المؤجرة هو عن مقدار ما هو متيسر استئجاره منها بتكاليف لا ترهق المستأجر بأكثر من ثلاثين في المائة من دخله للحصول على واحدة من تلك الوحدات السكنية المتوفرة في السوق المحلية للإسكان..؟ المؤشرات المباشرة والطبيعية توحي بأن الوحدات السكنية التي يستأجرها وافدون، وتمثل كما ذكر سابقا أكثر من نصف تلك الوحدات السكنية المؤجرة هي بالضرورة من الوحدات السكنية المتيسر استئجارها، لأن من غير المتوقع أن يدفع العامل الوافد أكثر من ثلث دخله السنوي لغرض السكن، في حين أن النسبة المتبقية من تلك الوحدات السكنية تدخل في الغالب ضمن شريحة الوحدات السكنية المرتفعة التكاليف في استئجارها التي لا يستطيع تحملها سوى أصحاب الدخول العالية، أو يضطر لمن هو دونهم في الدخل لتحمل نسبة عالية من موارده المالية لاسئجارها. إننا حين ننظر لتلك الوحدات السكنية التي يقطنها وافدون، نجد أن نسبة عالية منها يعود تيسر استئجارها في الغالب لتهالكها وطول عمرها الزمني، أو لوجودها في أحياء قديمة هجرها معظم سكانها الأصليون، واختلطت فيها الاستخدامات الأخرى المختلفة أو كلاهما معاً. تيسير استئجار الوحدات السكنية للمواطنين هو من الخطوات الأساسية التي يجب أن تحظى بالأولوية والعناية سواءً عبر ضخ مزيد من ذلك النوع من الوحدات السكنية للأسر المستحقة لها، أو بالحفاظ على الكفاءة الوظيفية وتيسير التكلفة للوحدات السكنية القائمة بما يتناسب ومتوسط دخل الأسرة الراغبة في استئجار تلك الوحدات، فتيسير الاستئجار للمواطن له تأثير بلا شك على معدل الطلب للوحدات السكنية المعروضة للإيجار في السوق، ومن ثم على أسعار تأجيرها، بل ربما امتد ذلك إلى التأثير أيضاً على أسعار الوحدات السكنية المعدة للبيع، في ذات الوقت تيسير استئجار الوحدات السكنية للمواطنين تعد مرحلة ضرورية لتهيئة شريحة واسعة منهم لترتيب أوضاعهم المالية وزيادة مدخراتهم، وتحسين ملاءتهم التي ستتيح لهم فيما بعد القدرة على امتلاك مساكن عبر آليات السوق المتاحة.