أحدثت المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تبث خلال شهر رمضان -خاصة على مائدة الإفطار- تغييراً كبيراً في العادات الاجتماعية لدى الكثير من المشاهدين، وتباينت آراء عدد من المشاهدين والمتابعين لهذه البرامج حول تأثيرها على أنماط سلوكهم وحياتهم الاجتماعية، إلاّ أنهم اتفقوا على تأثيرها السلبي في علاقاتهم مع الأهل والأقارب والجيران، من ناحية حرصهم بعد الإفطار وصلاة المغرب على العودة إلى المنزل وتهيئة الجو المناسب للاستمتاع بمتابعتها من ناحية، واستحواذها على أحاديث المجالس خلال لقاءاتهم من ناحية أخرى، فيما يظهر وقوع آخرين أسرى لهذه المسلسلات التلفزيونية، وأنهم ينقطعون عن الخروج للقاء الأصحاب خوفاً من ضياع أحداث بعض الحلقات. ويشير بعضهم إلى أنهم اتخذوا قراراً بعدم مشاهدة أي نوع من البرامج في رمضان، والالتزام بالعبادة وصلة الأرحام، فرمضان بالنسبة لهم شهر الصوم والرحمة والتوبة، كما يؤكد آخرون الحرص على التنافس الإبداعي في مجال الإنتاج التلفزيوني، وإلى تنافس المحطات التلفزيونية في رمضان على الإعلانات التجارية خاصة بعد أن باتت هذه البرامج والمسلسلات تشكل سمة من سمات شهر رمضان، في ظل قيام الفضائيات بالإعلان عن المسلسلات التي ستعرض على شاشاتها منذ وقت مبكر قبل من حلول الشهر الفضيل. مشاهدة عالية يقول "فيصل الجعيد" إنه ينتظر شهر رمضان ليسلي نفسه بمتابعة آخر الانتاجات الدرامية العربية، ويظهر مدى تعلقه بمتابعة هذه المسلسلات والبرامج العربية التي تكون في غاية الدرامية، وأمتنع كثيراً عن الخروج من بيتي مع أصدقائي أو حتى زيارة الأهل والجيران، وإن حدث فسيكون لمتابعة مسلسل معاً، مؤكداً على أن ثقافة شهر رمضان والعادات التي تمارس فيه أصبحت مختلفة كثيراً، خصوصاً بوجود برامج تلفزيونية تسلي وتبعث الفرح في النفس، على خلاف اللقاءات الأسرية التي قد تعكر المزاج وتجلب المشكلات. وأضاف: إن الأعمال التلفزيونية في رمضان جميلة وقد أصبحت جزءاً من حياتنا تلقائياً، ولا نرى أنفسنا إلاّ بانتهاء الشهر الذي لا نتذكر منه إلاّ المسلسلات، مستدركاً لكنني أحرص حرصاً شديداً على إقامة صلاة التراويح التي لا يمكن أن يمنعني عنها أي شيء. شهر العبادة وعلى عكس ذلك يقول "رشيد المنصور" لا أحرص على متابعة ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية في رمضان، فأنا أعتبر هذا الشهر للعبادة وقراءة القرآن، وأقرر دائماً عدم مشاهدة أي نوع من البرامج والمسلسلات كي لا تمنعني من العبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، مشيراً إلى أن برامج التلفزيون خففت من التواصل الاجتماعي بين الناس وحدّت من التواصل الإنساني كذلك، وكأن رمضان أصبح مرتبطاً فقط بما تقدمه برامج الشاشة التلفزيونية الصغيرة. توزيع الأوقات أما "فهد عبدالسالم" فيوزع أوقاته بين العبادة ومشاهدة التلفزيون، حيث يقول: "أمارس العبادة في شهر الخير الذي أنتظره بفارغ الصبر، لكنني أعترف بأن المسلسلات والبرامج التلفزيونية تشكل حيزاً لا بأس به من حياتي اليومية"، مشيراً إلى أن تلك البرامج تحد من النشاط الاجتماعي، حتى أنها تفرق الأسرة الواحدة في اختيار كل واحد منهم متابعة عمل تلفزيوني مختلف عن الآخر، مؤكداً على أن برامج التلفزيون تحد من التواصل الأسري والعلاقات الاجتماعية. وأضاف:"في وقت فراغي أتابع فقط مسلسلين أو ثلاثة لا أكثر، حيث إن المسلسلات والبرامج لها وقتها، والعبادة ورؤية الأقارب والأصحاب واجب أيضاً، ويجب علينا أن نقسم ساعات يومنا على ألاّ نكون أسرى شيء على حساب آخر". الإنتاج الفني أما "فيصل المفرج" فيقول: يحرص الكثير من المنتجين على أن تكون أعمالهم الخاصة بشهر رمضان تتلاءم إلى حد بعيد مع خصوصية هذا الشهر، فيلجأون غالباً إلى الأعمال الدرامية التاريخية، كما أن هناك أعمالاً أخرى تحوي مشاهد وأفكاراً قد لا تناسب قدسية الشهر، مطالباً بأن يتجه الصائم لمتابعة المسلسلات الدينية التي تحفظ صيامه. وأضاف: ربما يشكل شهر رمضان فرصة لبعض منتجي الأعمال لمحاولة ترسيخ قيم اجتماعية إيجابية، عبر حملها للأفكار الهادفة، وذلك باستغلال حرص كثير من المشاهدين على الانجذاب باتجاه الشاشة الفضية، خصوصاً في وقت تعاني فيه المجتمعات العربية بشكل عام من مشاكل اجتماعية وإنسانية كبيرة، ولكن للأسف الكثير من الأعمال الدرامية ما زالت تتجاهل مشاكل المجتمع الراهنة، كما تتجاهل العادات والتقاليد للمجتمعات الإسلامية. أعمال هشة! ويرى "د.علي الحازمي" -أستاذ علم الاجتماع- أن التلفزيون ووسائل الإعلام بصفة عامة أصبحت تشكل في الوقت الحالي جزءاً كبيراً من مسؤولية بناء شخصية المشاهد أو المتلقي -لاسيما أولئك المتعلقون بمتابعة التلفاز بشكل دائم-، مؤكداً على أن المشاهد أصبح يتلقى تيارات تربوية مختلفة من كل جانب بأسباب ما يعرض على الشاشات، وما يطرح خلال شهر رمضان. وقال"إن بعض هذه الأعمال الرمضانية هشة، وطرحها ضعيف خاصة لقضايا المجتمع، إضافة إلى عدم تقديمها للحلول بشكل فاعل، كما أن هناك برامج لا تنمي ثقافة، ولا تبني فكراً أو عقلاً"، مشيراً إلى أن المواطن أصبح يعيش بين مطرقة المسلسلات الرمضانية الدرامية وسندان الإعلانات التجارية، كما أن من الطبيعي أن ما يتم عرضه أمام المشاهد سوف يحدث تغييراً في سلوكياته أو علاقاته الاجتماعية، ومن هنا يظهر لنا أهمية ما يجب مشاهدته وما يتم عرضه أمام المشاهد".