فكرت أن الموضوع يشوبه شيء من الثقل. وهو كذلك. الحديث عن المستقبل ببعده العلمي مسألة تفتقر للمسات الدافئة. ما أن تغوص في المجردات حتى يفقد القارئ الاهتمام. قرأت مرة شرحا تفصيليا عن نظرية آنشتاين. مع شوقي الشديد لمعرفة هذه النظرية إلا أني فقدت الاهتمام عندما طالت القصة وأصبح الكلام رياضيات وأرقاما. المواضيع العلمية أو الفلسفية أو المتخصصة جدا ستجدها إما عند النخبة أو عند مجاميع صغيرة تتملكها الرغبة. الكاتب الذي يثير مثل هذه القضايا هو الكاتب المتخصص: كاتب الاقتصاد أو التكنولوجيا أو البيئة. يأتيه القراء قصدا. في صحفنا المحلية مازلنا نعيش مرحلة حط عباس على دباس. لاحظتم في الآونة الأخيرة أني قفزت من الخرافات كالسحر في العصور الوسطى إلى أقصى درجات البصيرة الإنسانية: التنبؤ بالمستقبل. تثيرني التغيرات المتلاحقة التي تحدث في هذا العالم. أحاول أن أسبق زماني. أقرأ ما تيسر لي من علم المستقبل. قراءات تحرر فضولي من قيده وتشبعه. وقعت في المكتبات على كتاب رائع بعنوان. (PHYSICS OF THE FUTURE ) (فيزياء المستقبل) لمؤلفه MICHIC KAKU . قرأت سيرة المؤلف فوجدته كفئا يعتمد عليه. أستاذ النظرية الفيزيائية في جامعة مدينة نيويورك. مبتكر نظرية فيزيائية ( ما أدري كيف أترجمها). نشر مؤلفات أخرى في نفس الاتجاه. شكله واسمه يدل أن أصله ياباني. على حد قوله كل نبوءاته المرصودة في أربعمائة صفحة من القطع الكبير تقوم على حوارات ومقابلات مع علماء في جامعات أو مراكز أبحاث محترمة. قرأت في تعليقات القراء ملاحظة ذكية. يقول صاحبها إن تكنولوجيا المستقبل موجودة في المستقبل. إذا عرفنها الآن فليست من المستقبل. ملاحظة صحيحة إلى حد كبير. لكن هناك فرق بين أن نعرف طبيعة هذه التكنولوجيا وبين أن نستخدمها. خذ Gps مثلا. كانت هذه التكنلوجيا حاضرة منذ عقود. تعمل بشكل محدود وفي خدمة الجيوش المتقدمة. لم تستخدم على نطاق مدني واسع إلا مع بداية القرن الواحد والعشرين. قس على ذلك الإنترنت. غالبا يتداخل المستقبل مع الحاضر. التكنولوجيا موجودة ولكنها لا تستخدم على نطاق واسع لأسباب كثيرة من بينها احتكار الدول أو جيوشها أو أن كلفة إنتاجها مازالت غير مجدية اقتصاديا أو أنها مازالت في حاجة إلى مزيد من التطوير أو أن التكنولوجيا ذاتها موجودة وتستخدم ولكنها لم تفصح بعد عن كامل إمكانياتها أو أن الشركات الكبرى لا تريد أن تدشن التكنلوجيا الجديدة قبل أن تستهلك خطوط إنتاج التكنولوجيا السائدة. كتاب ميشو كاكو ممتعا بغض النظر عما سينبأ به المستقبل. عندما انتهيت من قراءته دعوت الله أن يمد في عمري مائة سنة. المسافة الحضارية التي سوف تفصلنا عن حياة الناس بعد هذي المدة كالمسافة التي تفصلنا الآن عن حياة الناس قبل ألف سنة. لك أن تتخيل أن يستيقظ النابغة الذبياني من قبره في منفوحة ويتجول في الرياض اليوم. بعد ثلاثين سنة (وليس مئة سنة) من المحتمل أن تختفي عناصر حضارتنا التي نفخر ونستمتع بها الآن. سيختفي التلفزيون وسيختفي الجوال وسيختفي الكمبيوتر بل ستختفي بويات الجدران. لكي نأخذ استراحة من الحديث عن سواقة المرأة للسيارة لنعود إليها أكثر نشاطا سوف استعرض في بعض المقالات القادمة قليلا من نبوءات هذا الكتاب. السؤال الأول في الاستراحة كيف سينتهي عصر الجوال وما البديل؟